المنشور

الحاجة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد

وصف يوم الاثنين الموافق 5 سبتمبر من عام 2008م بأنه “اليوم الاسود” في تاريخ الاقتصاد الرأسمالي في حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما كان يعرف بـ “المنظومة الاشتراكية” الممثلة في دول اوروبا الشرقية حليفات الاتحاد السوفيتي التي كان يقوم نظامها الاقتصادي على تدخل الدولة في الاقتصاد، وتأميم مختلف المؤسسات الاقتصادية والصناعية، واحتكار الدولة للتجارتين الداخلية والخارجية باسم “النظام الاشتراكي” والملكية العامة لوسائل الانتاج لمصلحة العمال والكادحين وعامة الشعب العامل تحت قيادة وحكم الحزب الشيوعي الذي يحتكر السلطة ويمنع التعددية السياسية ويغيب الفصل بين السلطات كما يحتكر وسائل الاعلام.
حينذاك أي غداة ذلك الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي والدول الاوروبية الشرقية الحليفة له في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وصف المنظر الامريكي فوكوياما بأن العالم يشهد نهاية التاريخ، اي بمعنى ان لا تاريخ اقتصاديا يدون بعد اليوم سوى تاريخ الرأسمالية والليبرالية، وان أي محاولات اقامة انظمة اقتصادية بديلة عن النظام الاقتصادي الحر، بعد اليوم، وعلى وجه الخصوص على شاكلة ما كان يعرف بـ “النظام الاشتراكي” سيكون مصيرها الفشل المحتوم.
لكن لم يمض سوى اقل من عقدين على انهيار “الاشتراكية” في الاتحاد السوفيتي حتى اهتز او تزلزل النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي من قلب اكبر قلعة له ألا هي الولايات المتحدة ليعيد مجددا اكبر جدل عالمي على الساحة الفكرية حول مستقبل هذا النظام ومدى قدرته على الصمود او التكيف والتجديد، وبلغ الزلزال ذروته على اثر انفجار الازمة المالية بالولايات المتحدة في ذلك اليوم التاريخي الأسود المشهود 5 سبتمبر 2008م، ففي غضون 24 ساعة انهار اعرق واكبر المصارف الاستثمارية الامريكية، فقد اعلن LEHMAN BROTHERS بعد 158 سنة من عمره المديد افلاسه بعد أن كانت اصوله قبل الازمة قد وصلت الى 639 مليار دولار وفقد بسبب هذا الافلاس 250 ألف موظف وظائفهم أما “BANK OF AMERlCA” فقد اغتنم الفرصة ليستولي على اهم المصارف الاستثمارية في العالم الا هو MERRlL LYNCH، وعلى صعيد المؤسسات التأمينية فقد اعلنت (AlG) وهي اكبر شركة تأمين امريكية حاجتها الماسة الى 40 مليار دولار وطلبت انقاذا عاجلا من الاحتياطي الفيدرالي على شكل قرض.
وفيما قدر البعض خسائر ذلك اليوم التاريخي الاسود في بورصة نيويورك بـ 600 مليار دولار قدرها البعض الآخر بألف مليار دولار.
الاهم والاخطر من ذلك ان الزلزال المالي الذي ضرب بورصة نيوريوك سرعان ما امتدت آثاره وتداعياته الى اقتصادات دول العالم أجمع وترك آثاره السلبية المدمرة بوجه خاص على اقتصادات البلدان المنامية، ومن ضمنها البلدان العربية. وهنا تجدد الحديث من جديد بين المحللين والباحثين الاقتصاديين في العالم الثالث حول آفاق اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد عادل يحمي اقتصادات الدول النامية من غول وسطوة الرأسمالية العالمية، وعلى الأخص في عصر العولمة وسيادة نظام القطب الواحد على الساحة الدولية الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
ومن المصادفات التاريخية انه تمر هذه الايام ذكرى مرور 35 عاما على اصدار الامم المتحدة أهم وأول وثيقتين باسم الإرادة الدولية تقران ضمنيا بعدم عدالة النظام الاقتصادي العالمي القائم والحاجة الى نظام اقتصادي جديد عادل: الوثيقة الأولى عرفت بـ “الاعلان عن اقامة نظام اقتصادي جديد”، والثانية عرفت بـ “برنامج اقامة نظام اقتصادي جديد”. ولم يخل تاريخ التصويت عليهما من مغزى في الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث جرى ذلك في الأول من مايو عام 1974م المصادف لذكرى عيد العمال العالمي.
ولكن وبالرغم من مرور 35 عاما على هذا الحدث، وبالرغم ايضا من انتهاء الحرب الباردة والتبشير بعصر الحرية والعدالة الجديد فإن قضية اقامة نظام اقتصادي دولي جديد عادل مازالت تراوح مكانها ليس بسبب انقسامات الدول النامية في مواجهة التكتلات الاقتصادية المتقدمة الكبيرة فحسب، بل لضعف وتفتت الحركات النضالية الشعبية داخل تلك البلدان وعدم امتلاكها مشاريع واستراتيجيات نضالية للتغيير واضحة المعالم.

 
صحيفة اخبار الخليج
24 اغسطس 2009