قضية التيار الديمقراطي، كما كانت في الماضي، ليست الخصومة مع التيارات الدينية، وإنما هي قضية البناء الديمقراطي ودعم الإصلاح السياسي في البلاد، ومحاربة معوقاته من فساد مالي وإداري، ومن تشريعات وإجراءات وتدابير ونصوص دستورية معيقة، وبناء وتوطيد مؤسسات المجتمع المدني من نقابات واتحادات جماهيرية وسواها، وتوسيع الحريات العامة وصون ما تحقق منها.
وعلى هذه الأرضية بالذات يمكن للتيار الديمقراطي أن يتعاون وينسق مع كل من يمكن أن يقف معه في النضال في سبيل هذه المهام، بما في ذلك التيارات الدينية التي لها مصلحة في ذلك.
لكن نقطة انطلاق التعاون ومحوره هي وحدة قوى التيار الديمقراطي نفسه، وفي الحد الأدنى التنسيق الجاد والمستمر، لا الموسمي والمؤقت بين أطرافه، فليس منطقياً أن تبحث أطراف التيار الديمقراطي عن حلفاء لها من خارجها، فيما هي عاجزة عن التفاهم بين مكوناتها، ونظن أن هذه إحدى الثغرات التي وقع فيها التيار الديمقراطي، وما زال من المتعين عليه الخروج منها.
لقد نشأ هذا الأمر بصورة أساسية في اللحظة التي تعين فيها اتخاذ موقف من المشاركة في انتخابات 2002، بعد صدور الدستور الجديد وحزمة المراسيم التي تلته، وما أثاره ذلك من امتعاض ونقد قوى واسعة في المجتمع، وبات معروفاً أن الجدل الذي دار داخل جمعية الوفاق يومها بين رأيين، احدهما مع المشاركة والآخر مع المقاطعة، قد حسم في نهاية المطاف لصالح الأخير، وهو عامل حاسم في أن بعض قوى التيار الديمقراطي اختارت هي الأخرى تحديد موقف المقاطعة.
وقلنا مرارا أن المقاطعة والمشاركة في الانتخابات ليستا سوى تقدير سياسي من حق كل طرف أن يتخذ ما يراه منهما مناسباً تبعاً لطريقة قراءته وتحليله للوضع في البلد، دون أن يكون ذلك معياراً لقياس درجة جذرية أو وطنية أو إخلاص أي طرف أو شخص، كما جرى تسويق هذا الأمر للأسف.
هدفنا هنا القول أن التيار الديمقراطي أخفق في تنسيق المواقف المشتركة بين أطرافه، في لحظات مفصلية، والنقد هنا موجه للجميع، وليس لطرف بعينه، مما أفقد هذا التيار المبادرة التي كانت ستكون بيده، لا بيد الآخرين، لو انه اتخذ الموقف المشترك الذي يمليه عليه تحليله المستقل، مما كان سيجعل منه مركز استقطاب سياسي واجتماعي مهم بالنظر لأهمية ما يمثله من مكانة تاريخية ووزن نوعي في المجتمع، وهي أمور اعتراها الضعف، مما يجعل من وحدة صفوفه ضرورة أكثر أهمية وإلحاحا مما كانت عليه قبل عقد أو عقدين من الآن.
لا نريد هنا أن نملي موقفاً من طريقة التعاطي مع المتغيرات التي حدثت في البلاد بعد المشروع الإصلاحي، ولكننا ندعو لمناقشة الأمر بروح نقدية منفتحة، خاصةً وان قوى التيار الديمقراطي اليوم هي في صف المشاركة، بعد أربع سنوات قضاها بعضها في المقاطعة، وهي مرحلة لم تُقيم نقدياً حتى الآن، حين كان علينا كحركة وطنية ديمقراطية أن نحدد خطنا اللاحق بعد ثلاثة عقود من تعليق الدستور وشل العمل به فعلياً، ومن هيمنة قانون أمن الدولة وروحه والممارسات القمعية المرتبطة به. غداً نكمل
صحيفة الايام
24 اغسطس 2009