أيام كتب الصحفي الأمريكي المعروف بجريدة نيويورك تايمز توماس فريدمان، مقالاً حول التنافس الصيني الأمريكي في مجال مصادر الطاقة المتجددة (Renewable energy sources)، فذهب في تمنياته بأن يواصل الصينيون نهجهم التنموي التوسعي غير العابئ بالانعكاسات البيئية وحجم انبعاثات الغازات الدفيئـة الناتجة عن الاستخدام المتعاظم والمفرط لمصادر الطاقة التقليدية (Conventional energy sources)، لاسيما الوقود الأحفوري وتحديداً النفط والفحم، معولاً في هذا على استناد الصينيين إلى حقيقة أن الأمريكيين قاموا بتلويث البيئة على مدار 150 سنة لتحقيق النمو باستخدام الفحم الحجري والنفط ذوي الأسعار المنخفضة، والآن جاء “دورنا نحن الصينيون لنفعل الشيء نفسه”.
الصين إلى ملكوت طفرات نموها غير عابئة بـ “المخرجات” البيئية لهذه الطفرات كي تستغل الولايات المتحدة هذه اللامبالاة البيئية الصينية وتذهب بعيداً خلال السنوات الخمس القادمة في ابتكار وتطوير تكنولوجيا الطاقات النظيفة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية والبطاريات) وتكنولوجيا كفاءة استهلاك الطاقة، بما يضعها في صدارة بلدان العالم المنتجة والمصدرة لمصادر الطاقات البديلة وتكنولوجياتها.
في عام 2012 إلى مستوى الانبعاثات التي كانت سائدة في عام 1990. ولكن ذلك كان إبان ولاية الرئيس جورج بوش الابن، أما إدارة أوباما فقد اتخذت موقفاً مغايراً تماماً لذلك، إذ وضعت لها استراتيجية لتقليل اعتماد الولايات المتحدة على واردات مصادر الطاقة التقليدية لاسيما النفط، وتخصيص ميزانية ضخمة لتمويل مشاريع وأبحاث الطاقات الجديدة والمتجددة، وهي أحرزت وتحرز تقدماً باهراً في هذا المجال. وكل ذلك نتيجة لانهيار اللوبي الصناعي الأمريكي الرافض لما جرى الاتفاق عليه في “بروتوكول كيوتو” من التزامات بتخفيض الانبعاثات من جانب الدول الرأسمالية المتقدمة باعتبارها أكبر الملوثين البيئيين والذي مثلت مصالحه إدارة بوش السابقة. حيث انشق عدد من كبريات الشركات الصناعية والنفطية في عدد من الولايات الأمريكية وشكلوا تحالفاً يهدف إلى تخفيض الانبعاثات والاستثمار والبحث والتطوير في مصادر الطاقات النظيفة.
توماس فريدمان وهو الذي عُرف باهتمامه في السنوات القليلة الماضية بقضايا العولمة ومنها قضايا البيئة والتغير المناخي، حيـث أصدر بعض المؤلفات في هذا الشأن من بينها: “The Lexus and the Olive Tree: Understanding Globalization” وهو كتاب ألفه فريدمان في عام 1999 وتحدث فيه عن أن العالم تتنازعه نزعتان واحدة نحو التطور والرفاهية ورمز إليها بسيارة لكسس اليابانية الفارهة، وأخرى تشده نحو المحافظة على الأصول والتقاليد ورمز إليها بشجرة الزيتون. والكتاب الثاني الذي لا يقل أهمية عن هذا الكتاب هو: “The World is Flat” (العالم مسطح) صدر في أبريل 2005 ويتحدث فيه فريدمان عن العولمة في القرن الحادي والعشرين، وأن التيار العالمي لتطور قطاع الأعمال الذي تحركه التكنولوجيا المتقدمة والتنافسية الشديد لن ينتظر أحداً.
في أجزائهما المشكل البيئي والمناخي بشكل صريح، إلا أن القارئ يمكن أن يستشف إلى أي مدى أصبحت النخبة أو “المشيخة” الفكرية الأمريكية من جنس توماس فريدمان متوجسة من التحولات الكبرى العالمية على مصير الزعامة والريادة الاقتصادية والجيوبوليتيكية الأمريكية، وهي تواجه تحديات من قبيل التنافس غير المسبوق الذي تلقاه من القوى الصاعدة مثل الصيني في مجالات الاقتصاد التقليدي والاقتصاد الجديد، بما في ذلك الاقتصاد الذي سيكون محور صراع القوى الاقتصادية الكبرى وهو قطاع الطاقات الجديدة والمتجددة الذي سيكون محور استقطاب الاستثمارات العالمية الضخمة في العشرية القادمة، خصوصاً وأن الصين لم تحقق مبتغى فريدمان وإنما هي في الوقت الذي تقود فيه الدول النامية من خلال “مجموعة الـ 77 + الصين” بمواصلة الضغط علـى الدول المتقدمة أي دول المرفق الأول (Annex I Countries) بموجب بروتوكول كيوتو، من أجل الالتزام بتنفيذ ما هو مطلوب منها وهو خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وصولاً في عام 2012 إلى المستوى الذي كانت عليه في عام 1990، ورفضها قبول أي التزامات بالتخفيض باعتبارها دول نامية ليست مسؤولة عن حجم التلوث المهول الذي أحدثته الدول الصناعية على مدى عصور الصناعة وما بعد الصناعة، وفي الوقت الذي استفادت فيه (الصين) أقصى استفادة من إحدى وسائل خفض الانبعاثات وهي تنفيذ الدول المتقدمة مشاريع آلية التنمية النظيفة (CDM) في الدول النامية، حيث نجحت الصين في استقطاب أكثر من 3000 مشروع – إلا أنها في ذات الوقت تعمل على جبهة إطلاق قطاع ضخم للطاقات الجديدة والمتجددة. ففي الرابع من يونيو 2007 أعلنت الصين عن استراتيجيتها الخاصة بالتغير المناخي وأصدرتها في 62 صفحة، وهي تهدف إلى خفض استخدام الطاقة بواقع الخُمس قبل عام 2010 وزيادة حجم الطاقات المتجددة المُنتَجة، ورفع حصة هذه الطاقات من 7% إلى 10% بحلول عام 2010. وقد تحولت اليوم إلى إحدى الدول الرائدة عالمياً في مجال طاقة الرياح وتكنولوجيا تخزين الطاقة الشمسية، حيث تقترب قيمة قطاع الطاقة المتجددة النشط في الصين من 17 مليار دولار، وهو يوظف حوالي مليون عامل، وهذا باعتراف أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون.
الصين نجاحات واضحة في مجال الطاقات المتجددة بما في ذلك الوقود الحيوي والطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المناطق الريفية، ونتج عن ذلك تقلّص حصة الفحم في ميزان الطاقة الصيني من 76.2% في عام 1990 إلى 68.9% في 2005، فيما ارتفعت حصة النفط والغاز والطاقة الكهرومائية من 16.6%، 2.1% و5.1% في عام 1990 إلى 2%، 2.9%، و7.2% في عام 2005 على التوالي.
الصين ورغم منافستها للولايات المتحدة في تصدر قائمة الدول الأكثر تلويثاً للبيئة في العالم بسبب ضخامة انبعاثاتها الناتجة عن التوسع التنموي الضخم، فإنها تتحول بسرعة لإحدى الدول الأكثر استقطاباً وتطويراً لتكنولوجيا الطاقات النظيفة وتطبيقاً لاستخداماتها.
صحيفة الوطن
23 اغسطس 2009