المنشور

قضايا مؤرقة .. !

ثلاث قضايا مهمة تداولتها الصحف المحلية ولا تزال لو تمعّنا فيها جيداً لوجدنا أنها تفرض ما لا حصر له من التساؤلات وعلامات الاستفهام والتعجب، واعتقد أن من يتمتعون بموهبة التقاط الإشارات وهي طائرة كما يقولون قادرون على أن يتلمسوا الى أي مدى أصبحت هذه القضايا مؤرقة. القضية الأولى هي قضية الملف الإسكاني الذي سيّس وأخذ منحى طائفيا غير مسبوق جعلنا نسمع ونقرأ لغة جديدة فيها من مفردات الردح والتشنج والشطط والنفس الطائفي ما لا يعرف له حتى الآن سقفاً ولا حدوداً، مما وضعنا أمام مشهد عبثي بات يهدد النسيج الوطني، القضية الثانية هي قضية الجامعات الخاصة ومخالفاتها والقرارات الحاسمة ضد بعضها واللغط المثار حول حقيقة أوضاعها، والشهادات العليا المزورة، وهي القضية التي نرى بأن أهم ما فيها يكمن في سؤال جوهري ضمن جملة أسئلة أخرى: كيف ومن أين حصلت هذه الجامعات على الموافقات الرسمية على تأسيسها ؟ أما القضية الثالثة فهي التي تتصل بمجريات قضية معهد التنمية السياسية التي باتت اليوم قضية يلفت النظر فيها هذا الكم الظاهر من التجاوزات التي تتكشف يوماً بعد يوم وتثير هي الأخرى سؤالاً جوهرياً: أين هي الرقابة؟ بالنسبة للقضية الأولى الملاحظ فيها إقحام الملف الإسكاني قسراً في أسر المعادلات الطائفية والمذهبية جعلت هذا الملف يشكل صورة جديدة من العيار الثقيل من صور الهم العام، يتعاظم أمام التراشقات والتجاذبات والاصطفافات والشحن الطائفي المستمرة التي تذكيها قوى وأطراف برلمانية وبلدية لدواعي واعتبارات معلومة غلفت هذا الملف لبوساً لا يليق فيه بكل مقياس حتى وأن ادعت بغير ذلك. الأطراف المعنية جعلت هذا الملف ورقة انتخابية ودعائية وتعبوية قد تكون رابحة بمقاييسها ولكن لا يمكن أن تكون رابحة بمقاييس الوطن، وكان بودنا أن يكون هناك ولو القليل من الحصافة بما يقي شر الانزلاق في المطبات القابلة للالتهاب السريع التي أصبح البعض من نواب وبلديين يدفعوننا إليها بإصرار غريب وهي للأسف الشديد لم تجد من يضع حداً لها ليبقى الملف الإسكاني المتضخم ورقة انتخابية بيد البعض وبئس الورقة، والمفارقة المذهلة أن من يفترض أن بيدهم الموضوع رغم كل المنعطفات التي يمر بها هذا الملف بقوا ساكتين وكأن الأمر لا يعنيهم، وبقى من يزعم أنه ساعٍ لحل توفيقي أو تلفيقي من الذين يريدون أن يظهروا بأن نياتهم حسنة، وهي ليست حسنة على الأرجح، لازالوا يعبثون بإثارة ما يصنع التوتر والقلق والشروخات الطائفية التي تحتاج إلى لجم حتى لا تكون نتائجها وبالاً علينا جميعاً. أما قضية التعليم العالي والجامعات الخاصة فإنه لا يمكن لأحد أن يدفن رأسه في الرمال ليستسهل ويهوّن من هذه القضية، فالاحتدام في المواقف والتراشق بالتصريحات بين الأطراف المعنية وهذا الكم الكبير من التجاوزات التي مارستها بعض الجامعات الخاصة والإخطارات والإنذارات والإجراءات العقابية المشفوعة بتصريحات، وتصريحات مضادة وضعت هذه الجامعات أمام نفق مظلم خاصة بعد أن وصلت أصداء أوضاع هذه الجامعات الى ساحات المحاكم. كل ذلك كما قلنا يثير تساؤلاً جوهرياً: كيف ومن أين حصلت هذه الجامعات التي أصبحت تشبه سلسلة مطاعم الفاست فود على الموافقات الرسمية وعلى أي أساس وبأي مقياس؟ وهل عرضت هذه الموافقات بافتراض وجودها على جهات علمية متخصصة؟ وما هي المعايير التي استند عليها للترخيص لهذه الدكاكين المسماة جامعات؟ وأين هي الرقابة على مجريات أوضاع هذه الجامعات وعلى الشهادات والدرجات العلمية الرفيعة التي منحت من دون وجه حق ولماذا غابت هذه الرقابة طيلة السنوات الماضية؟ نعلم أن مجلس التعليم العالي، وهيئة ضمان جودة التعليم آليتان جديدتان لمراقبة سير التعليم العالي وأداء هذه الجامعات، نعلم ذلك جيداً : ولكن ثمة سؤال هو الآخر جوهري : هل الإجراءات التي اتخذتها السلطات الكويتية بحق بعض الجامعات الخاصة في البحرين وخريجيها والضجة التي أثيرت في هذا الصدد هو الذي أدى إلى التمحيص في مستوى هذه الجامعات ومستوى الشهادات الصادرة عنها الى الدرجة التي اعتبرت بعض هذه الجامعات بأن هناك من يحاول إعدامها؟ وهل كان من المتصور أن يستمر حال هذه الجامعات لو لم تتخذ الإجراءات الكويتية لتثير ما ظهر من فضائح وتجاوزات؟ أما القضية الثالثة التي تتصل بمسار البحرين للتنمية السياسية، فإن تطورات هذه القضية التي أصبحت اليوم قضية رأي عام، وتحريك الدعاوى الجنائية ضد أطراف جديدة هي الأخرى تثير تساؤلاً جوهرياً: أين هي الرقابة المالية والإدارية؟ لماذا غيبت؟ ولماذا بلغت الأمور في المعهد الى الدرجة التي تجاوزت وتصادمت مع كل السقوف وجعلت رائحة التجاوزات تفوح من كل صوب. القضايا الثلاث قلنا بأن المرء قد لا يجد فيها ما يمكن ربطه، ولكن أحسب بأن القاسم المشترك الذي تشير إليه تلك القضايا هو أن قيمة الرقابة والمساءلة لم تنل حظها من الحضور اللازم والمفروض في ساحة الأداء العام، فلو هناك رقابة ومساءلة لما تناول البعض الملف الإسكاني بهذه الصيغة الطائفية ولما آلت أمور الجامعات والمعهد إلى ما آلت إليه.
 
صحيفة الايام
22 اغسطس 2009