‘جموّل’، هل تعرفونها؟.. قالت عنها صحيفة ‘السفير’ اللبنانية في 06/08/2009 في حكاية ‘نيـرودا عيثـرون’.. كمـا يرويـها المواطـن نبيـه عواضـة: إنها ‘ صبيّة رقصت وزغردت على هضاب جبل عامل ومشت لساعات في ليل وديانه، قبل أن يقتلها أكثر من سبب.. لهذه الصبية أبناء كثر، بعضهم استشهد، وبعضهم أسر، وأكثرهم ما زال بيننا’.
عرفناها، إنها إذاً: ‘جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية’، حسناً، لكن صحيح، من قتل ‘جمول’ التي كانت تتسع لكل لبنان، بيسارييه ومسيحييه ومسلميه وأرمنه ودروزه؟!.. هل القتلة في لبنان ‘أشباح؟’، ولماذا هناك كل القتلة مجهولو الهوية؟، مَنْ قتل المفكر حسين مروة، ومَنْ قتل الفيلسوف مهدي عامل (حسن حمدان) في العام 1987 (الأول في 18 فبراير/ شباط، والثاني في 18 مايو/أيار) بكاتم الصوت، المحشو برصاص الحقد والجهالة على كل فكر ومفكر؟، ومَنْ يغتال مَنْ هناك، سواء كان بالرصاص أو بالمفخخات إلى يومنا هذا ؟؟.
أصلاً، لماذا السؤال الآن عن قتلة لبنان بمثقفيه وسياسييه، وما الجدوى في معرفة ذلك، ما دامت المعرفة ستزيد من حجم هذا القتل؟!.
****
ثلاث صبيات من ‘جمول’، واحدة اسمها سهى بشارة، كانت أسيرة’ ويلقبونها بـ’زهرة الجنوب اللبناني’، منحدرة من عائلة مسيحية أرثوذكسية، قاومت المحتل بتنفيذ عملية فدائية لاغتيال العميل أنطوان لحد قائد ما سمي وقتها بجيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل بتكليف من حزبها (الشيوعي) المساهم الرئيس آنذاك في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، فدفعت من حريتها ثمناً لـ’لخوضي هذه الحرب، إذ أودعت في الزنزانة بلا محاكمة، ومن دون أن يتسنى لي معرفة سنوات العقوبة المفروضة علي’، وفق ما روته في مذكراتها.
في العام 1998 أفرج عن سهى بشارة، بعد عشر سنوات من عمرها قضته في سجن الخيام، وبعد شهرين من هذا الإفراج غادرت سهى لبنان، لكن غيابها لم يحل دون حضورها الدائم وفي أكثر من محطة ومناسبة.
أما الشهيدة الشابة البطلة، وفاء نور الديـن، ابنة النبطية، وابنة ‘جمول’، تلك التي قادت ‘مجموعة الشهيدة لولا عبود’ وفجرت جسدها الطاهر بالأعداء بواسطة حقيبة سفر ملغومة في صباح يوم الخميس 9 مايو/ أيار 1985 فقتلت من قتلت، ولا تزال الذاكرة الوطنية اللبنانية تحمل وفاءها لمبادئها منذ طلب انخراطها في الجبهة الوطنية اللبنانية، حتى ذلك اليوم الذي تركت فيه الشهيدة تسجيلاً بالصوت والصورة، ونداء لشباب وفتيات لبنان لكي يكملوا الطريق.
الصبية الثالثة، الشهيدة سناء المحيدلي (17 عاماً) تسمى بعروس الجنوب، حين قامت بتنفيذ عملية استشهادية في الساعة الحادية عشرة صباحا من يوم الثلاثاء 9/4/1985 استهدفت تجمعاً لقوات الاحتلال الإسرائيلي على طريق باتر – جزين، حيث كانت تتجمع أعداد كبيرة من الشاحنات والدبابات والآليات المجنزرة والعديد من المشاة المنسحبين من تلال الباروك ونيحا وذلك باقتحامها بسيارة بيجو 504 مجهزة بـ200 كلغ من مادة ‘تي .إن. تي’ الشديدة الانفجار، حينها أوقعت العملية خسائر كبيرة في جنود العدو يقدر عددهم بحوالي 50 بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى إعطاب وإحراق عدد من الآليات، وفق بيان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية آنذاك.
قالت سناء في وصيتها: أحبائي إن ‘الحياة وقفة عز فقط’. أنا لم أمت بل حية بينكم أتنقل.. أغني.. أرقص.. أحقق كل آمالي.. كم أنا سعيدة وفرحة بهذه الشهادة البطلة التي قدمتها.
وتابعت تقول: أرجوكم أقبل أياديكم فرداً، فرداً لا تبكوني.. لا تحزنوا علي، بل افرحوا اضحكوا للدنيا طالما فيها أبطال.. طالما فيها آمال بالتحرير.. إنني بتلك الصواعق التي طيرت لحومهم وقذارتهم بطلة. أنا الآن مزروعة في تراب الجنوب أسقيها من دمي وحبي لها.. آه لو تعرفون إلى أي حد وصلت سعادتي ليتكم تعرفون لكنتم شجعتم كل الذين ساروا على خط التحرير من الصهاينة الإرهابيين مهما كانوا أقوياء إرهابيين قذرين، هم ليسوا مثلنا .. إنهم جبناء يطعنون من الخلف ويغدرون، يتلفتون شمالاً ويميناً هربا من الموت.
هل توجد تعابير أبلغ من هذا الانتماء، فأين هم من كانوا مرة معنا؟، كما تقول الأغنية التشيلية الحزينة.
صحيفة الوقت
21 اغسطس 2009