المنشور

صنعاء ضد الشمال والجنوب

تواجه صنعاء الشعب اليمني في جنوب البلد وشماله.
هي ليست مصادفة أو تآمراً بل هو مسار عاصمة تريد أن تهيمنَ طواقمها العسكرية والإدارية على شعب انفلت من سيطرتها.
الجنوب جاءها بشكل أخوي وسلم السلطة كلها في يدها، فاستقوت عليه، واستغلته وجعلته خادماً وهي السيدة.
الشعب اليمني في الجنوب كان صانع البطولات وهو الذي حرك الجزيرة العربية وسرب إليها إشعاعات الحضارة الحديثة، وحين تحرك في الفترة الأخيرة ونزل الشوارع في مظاهرات سلمية فقد كانت هذه هي الوسيلة الأخيرة لكي يوصل إلى حكام صنعاء مطالبه في تقسيم الثروة بعدالة وإنهاء زمن أن الجنوب غنيمة حرب بل هو أخ مشارك في صنع الوحدة.
لكن الطواقم العسكرية والسياسية في صنعاء اعتادت لغة القوة والبطش، خاصة في أوقات الرخاء الاقتصادي الذي استفادت منه، لكن اليمن يمر بظروف اقتصادية صعبة، والشعب يبيع أدواته الشخصية لكي يعيش، ومازالت لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي يخاطب بها الحكام هذا الشعب الذي يعيش على حافة المجاعة والشظف، الشعب الذي يعطيه المهاجرون لقمة عيشه.
ولا عجب أن يرفع الجنوبيون شعار الانفصال الذي هو شعار يأس من إصلاح الشمال، شعار هزيمة لهدف الوحدة، بسبب أن العسكر ظن أن الجنوبيين سيبقون مرغمين في سيطرته الوحدوية، فالوحدة مقدسة لدى أهل اليمن، لكن العاصمة “طفشت” الجميع من الوحدة، فالشمال نفسه دخل في حرب الانفصال الداخلية الخاصة به، في حين يبدو الجنوب متوحدا متماسكا في الانتفاضة ضد سلطة الشمال العسكرية، لا ضد أهله في الشمال.
أما انفصال الشمال وصراع ابنائه فكانا كارثيين، فهنا قامت عاصمة العسكر والبيروقراطية والضرائب والاستغلال، بتهميش الاقاليم الشمالية، وتفقيرها، وتركها في تخلفها، وفي عزلتها بشكل طائفي، ولم تستطع أن تؤسس وحدة وطنية إسلامية.
لقد تفجر النفط في اليمن ولم تنعكس خيراته على من هم خارج العاصمة وخارج القبلية المتنفذة.
وجاءت خيرات كثيرة وفوائض المهاجرين من دون أن يستفيد الجنوب إلا شظفاً.
إنه حراكٌ جنوبي عقلاني وجنونٌ شمالي عسكري.
نضال سلمي ومطلبي من أهل الجنوب اتسم بحراك سياسي متدرج وبرفض للعنف وبطرح مطالب واقعية رفضتها الحكومة فتصاعدت الأهداف وبلغت حد اليأس من إصلاح الشمال.
وكان الممكن خلال الشهور الماضية القيام بتغييرات ولكن الحكومة لم ترد سوى بالقوة وبقمع التظاهرات السلمية مما أوقع مئات الضحايا.
أما تحركات قوى الشمال المعارضة فهي قد استخدمت الأساليب الحكومية نفسها، من شعارات طائفية وسياسة مذهبية عنفية، لعبت دورا في تمزيق الشعب اليمني وتأجيج صراعاته الدينية غير العقلانية، والمرفوض تأجيجها، ثم وسعت دائرة حربها وورطت مئات الآلاف من المدنيين في أتون حربها.
ولم ترد عليها الحكومة في صنعاء إلا بذات اللغة العنفية، فصار الشمال يحرق نفسه.
وفي هذا الوقت أطل علينا نائب رئيس اليمن السابق السيد علي سالم البيض ليسيس المعركة الحالية في الجنوب ويطرح شعارات الانفصال وعودة الدولة اليمنية الجنوبية السابقة.
لا تختلف دكتاتورية الشمال عن دكتاتورية الجنوب، والسيد البيض يجيء بعد هذا الغياب، والبعد عن السياسة وعن إنشاء تراكم نضالي ديمقراطي في حياة اليمنيين، ليكرر شعارات صنعها من الهواء السياسي الذي عاش فيه، ومن مناخ الراحة والارستقراطية الذي تبحبح في ظله، فلا يسار ولا قومية في رأيه وإنما وطنية غامضة الملامح، مجهولة الخصائص السياسية.
وإذا كان الهدف نظاما ديمقراطيا علمانيا وطنيا فلماذا لا يكون اليمن ساحته كله؟
وهل انسلاخ الجنوب إلا خراب البصرة مجدداً وتمزيق اليمن إلى أقاليم؟
هل اليمن تنقصه الحروب والتمزقات؟
لا تقل انفصال الجنوب ولكن قلْ هو وطنٌ يمني ديمقراطي، بلا هيمنة عسكر، وبلا دولة دينية اقطاعية مفتتة.
دولة يمنية واحدة متقدمة ديمقراطية يحكمها المدنيون ويشارك فيها كل ابناء اليمن.

صحيفة اخبار الخليج
20 اغسطس 2009