حين بدأت التغييرات السياسية في البحرين عام 2001، مع انطلاقة المشروع الإصلاحي، كانت تنظيمات التيار الديمقراطي مُنهكة بالضربات القمعية التي تلقتها على مدار عقود، والتي أدت إلى تشتت الكثير من الكوادر في المنافي، فيما أنفقت مئات الكوادر الأخرى سنوات طويلة في السجون، وكانت الضربة الموجعة التي تلقاها مناضلو جبهة التحرير الوطني في عام 1986 واحدة من أقسى هذه الضربات وأبلغها أثرا، والتي أدت إلى شل الكثير من فاعلية التنظيم، الذي خسر خيرة كوادره حينها. كان على التيار الديمقراطي أن يلملم صفوفه في الوضع الجديد الذي نشأ في البلاد وسط ظروف غير مسبوقة في تاريخه، حين وجد نفسه، فجأة، أمام استحقاقات العمل العلني الذي يتطلب آليات وطرائق جديدة لم تعهدها تنظيماتنا فيما سبق، هي التي تمرست في العمل السري. وكان عقدا الثمانينات والتسعينات قد أسسا لوقائع جديدة في الحراك السياسي في البلاد، سمته الرئيسية ما اكتسبته التيارات الدينية المعارضة، في الشق الشيعي، من مكانة في الشارع، على خلفية ضعف التيار الديمقراطي المنهك بالضربات الأمنية على نحو ما أسلفنا، إضافة إلى تنامي حضور الإسلام السياسي السني أيضاً تحت تأثيرات تتخطى الإطار المحلي، لتشمل الإطار العربي والإقليمي عامة، ولما تيسر له من أشكال دعم وحرية حركة في أنشطته التي التبست بلبوس العمل الخيري وما هو في حكمه. ورغم أن التيار الديمقراطي نشط في الوضع الجديد، لكنه لم يستطع استعادة الكثير من الكوادر التي أفقدتها إياه الضربات السابقة، كما انه بدا مرتبكاً في التعاطي مع الوضع الجديد بصورة صحيحة، الذي فرض عليه مهام عديدة دفعة واحدة، بين حاجة كل تيار لحشد وتعبئة أعضائه ومناصريه من جهة، وبين الحاجة لعمل موحد بين كافة مكوناته، وهو الذي لم يستطع التخلص من الإرث السلبي للعلاقات بين هذه المكونات الموروثة من الماضي، سواء على مستوى الداخل أو الخارج. وفي ظل استقطابات سياسية جديدة لم تكن معهودة فيما مضى، وجدت أطراف التيار الديمقراطي نفسها تختلف مرةً أخرى في الموقف من انتخابات 2002، وعلى خلاف ما كان عليه الحال في السبعينات، فان التيار الديمقراطي لم يعد وحده المعني بهذه المسألة، فمعه القوى السياسية الدينية التي أفرزها حراك الثمانينات والتسعينات، والتي يسرت لها التغيرات في البلاد أن تنشط بصورة أوسع، مستعينة بآليات حشد وتعبئة ليست متاحة للتيار الديمقراطي المختلف كلية في بنيته التنظيمية وطبيعته الفكرية. سيكون من باب المكابرة نكران أن الفرز السياسي الجديد الذي نشأ في 2002، جعل التيار الديمقراطي مُوزعاً على أكثر من محور، وبالتالي أعاق تشكله كقطب موحد مستقل في علاقاته مع أطراف العملية السياسية في البلاد، سواء المعارضة منها أو الدولة، وبالتالي افتقد المجتمع الخطاب الجامع الموحد لهذا التيار، الذي يمكنه من أن يشكل مرجعية سياسية واجتماعية بديلة تنطلق من التراث الكفاحي لهذا التيار ومن خبرته السياسية المديدة ومما يمتلكه من طاقات وكفاءات سواء في صفوف أعضاء تنظيمات هذا التيار أو في السياج الواسع المحيط بها، أو الذي يمكن أن يحيط بها. غداً نتابع.
صحيفة الايام
18 اغسطس 2009