نص بليغ لجان بول سارتر يقول: إن الانفعالات تعتمل في الجسد فتحدث به ما يفعله السحر. لو أن سارتر طور هذه المقولة بعض الشيء فدرس علاقة هذه الانفعالات بالإبداع لكان قد أسعفنا على مقاربة أثر الحزن والكآبة في الأعمال الخالدة لكبار الفنانين والمبدعين، كون الحزن هو واحد من هذه الانفعالات التي تحدث في الإنسان الهلاك والضياع، وإنما ذلك الحزن النبيل، الجليل الذي يشف عن درجة عالية من الحساسية والرهافة التي تسم نفوس المبدعين الكبار، فتمنحهم مهارات أعلى في التقاط ما هو إنساني والتعبير عنه.
في الغالب الأعم فإننا نحتفي بالفرح ونميل لإبراز منجزات الحضارة الإنسانية في مجالات الفنون والأدب والعمارة وسواها بصفتها دليلاً على نبوغ العقل البشري، وإقبال البشر على الحياة، لكن من النادر جداً أن يجري الالتفات إلى المعاناة العميقة للمبدعين الذين اجترحوا مآثر هذه المنجزات، وما الذي أحاق بهم من ملابسات جعلت حياتهم ملأى بالكثير من الحزن وحتى الوجع في معناه الإنساني المعنوي وليس الحسي بالضرورة.
يسعى مؤلف كتاب عن تكوين الانفعالات في الحياة الاجتماعية لإثارة سؤال كبير عن أولئك البشر المجهولين الذين صنعوا الحضارات الكبرى في آشور وبابل ومصر الفرعونية وفي بلاد الإغريق.
نحن نعرف أسماء الملوك والأباطرة والغزاة لكننا لا نعرف اسم الفنان الذي نحت تمثال أبي الهول مثلاً، أو أولئك الذين أقاموا المسلات والجداريات الكبرى: هل تعكس البهجة البادية في الكثير مما خلفته الحضارات العظمى القديمة أن من أبدعوها كانوا على الدرجة ذاتها من البهجة، أم أن خلف ذلك تختفي نفوس مكسورة مثقلة بالأسى والألم؟ ذلك ما يتعين إعمال العقل فيه.
النقاد يقولون إن سبب نشوء علم النفس الحديث يعود إلى انتشار الحزن وتغلغله في النفس البشرية وكذلك في المجتمع، مما استدعى تدابير علاجية يقوم بها المختصون للتخفيف من معاناة أولئك البشر الذين تداهمهم الكآبة أو الحزن فينزعون نحو العزلة والانسحاب من الحياة.
في وقت لاحق سيستفيد النقد من منجزات علم النفس ليرى في ما أبدعه الفنانون والكتاب الحزانى تعبيراً عما تختزنه الطبقات الدفينة في نفوسهم من مشاعر الأسى والقلق وربما الخوف أيضاً، فيقيمون في إبداعاتهم عالماً موازياً بديلاً تذهب فيه مخيلاتهم الخصبة حدوداً بعيدة.