المنشور

مؤتمر الأطراف الـ‮ ‬15‮ ‬لتغير المناخ فـي‮ ‬كوبنهاجن

من‮ ‬يقرأ الورقة النقاشية التي‮ ‬نشرتها على موقعها سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ باعتبارها أرضية للنقاشات الحاسمة التي‮ ‬سيشهدها مؤتمر الأطراف الخامس عشر الذي‮ ‬سيعقد في‮ ‬كوبنهاجن خلال الفترة من‮ ‬7‮ : ‬18‮ ‬ديسمبر‮ ‬2009‮ ‬يجد أنها مليئة بالدروب الوعرة التي‮ ‬من كثرة الخيارات التي‮ ‬تطرحها الورقة لكل قضية إشكالية أمام أطراف التفاوض الرئيسية في‮ ‬قضية التغير المناخي‮ ‬التي‮ ‬باتت تشغل الحيز الأكبر من اهتمام الأسرة الدولية،‮ ‬فإن المرء المطلع على فحواها سيجد أن من الصعوبة بمكان التوفيق بين المواقف المتضاربة والأخرى‮ ‬غير المتقاربة بما‮ ‬يكفي،‮ ‬في‮ ‬المؤتمر،‮ ‬وخروجه بالنتيجة التي‮ ‬تعقد عليها كافة أعضاء الأسرة الدولية الآمال الكبار،‮ ‬وهي‮ ‬التوصل إلى مقاربة جديدة في‮ ‬صورة اتفاقية جديدة لما بعد كيوتو‮ (‬حيث‮ ‬ينتهي‮ ‬مفعول بروتوكول كيوتو عام‮ ‬2012‮).‬
جدير بالذكر أن هذه الورقة النقاشية هي‮ ‬حصيلة العديد من الاجتماعات التمهيدية لمجموعات العمل التي‮ ‬عقدت في‮ ‬بون وغيرها من المدن العالمية‮ ‬‭-‬‮ ‬وهي‮ ‬اجتماعات تعقد في‮ ‬العادة خلال الفترة الواقعة بين مؤتمر الأطراف والمؤتمر الذي‮ ‬يليه،‮ ‬أي‮ ‬خلال سنة،‮ ‬بغرض تحقيق التوافق على القضايا الخلافية بين أطراف التفاوض الرئيسية وتحديداً‮ ‬الدول المتقدمة والدول النامية،‮ ‬لاسيما قضايا التكيف،‮ ‬وتخفيض انبعاثات‮ ‬غازات الاحتباس الحراري‮ (‬ستة‮ ‬غازات أبرزها على الإطلاق‮ ‬غاز ثاني‮ ‬أكسيد الكربون‮)‬،‮ ‬وآليات نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية بغية خفض الانبعاثات وزيادة كفاءة وترشيد استخدام مصادر الطاقة،‮ ‬وآليات تمويل برامج التكيف،‮ ‬وبناء القدرات الوطنية ونحوها من إجراءات تتصل بمعالجة مشكلة التغير المناخي‮.‬
ولعـل أبـرز مـا تتضمنـه الوثيقـة‮ ‘‬الرؤيـة المشتـركة للتعـاون طويل الأمد بين كافة أطراف التفاوض‮ (‬الدول المتقدمة والدول النامية تحديداً‮). ‬وهذه‮ ‘‬الرؤية‮’ ‬هي‮ ‬أهم أبرز النتائج والتوافقات التي‮ ‬حصلت في‮ ‬مؤتمر الأطراف الثالث عشر الذي‮ ‬عقد في‮ ‬بالي‮ ‬العام قبل الماضي‮ ‬والتي‮ ‬كان‮ ‬يفترض أن تشكل أرضية لصياغة اتفاق جديد‮ (‬لما بعد كيوتو‮) ‬في‮ ‬مؤتمر الأطراف الرابع عشـر الذي‮ ‬عقـد نهاية العـام الماضـي‮ ‬في‮ ‬بوزنان ببولندا،‮ ‬إلا أن أي‮ ‬تقـدم لم‮ ‬يُحرز في‮ ‬ذلك المؤتمر‮. ‬وقد اتخذت هذه الرؤية وقتها اسم خطة عمل بالي‮ ‬للهدف النهائي‮ ‬لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ،‮ ‬وبما‮ ‬يتوافق مع نصوص ومبادئ الاتفاقية،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة،‮ ‬والإمكانيات المتوافرة للدول الأعضاء،‮ ‬والأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية والحقائق الأخرى ذات الصلة‮.‬
ورغم الجهد الواضح الذي‮ ‬بذله مفاوضو الدول النامية وتحديداً‮ ‬ممثلو‮ ‘‬مجموعة الـ77‮ + ‬الصين‮’ ‬في‮ ‬وضع صياغات عديدة مقترحة بشأن كافة القضايا الخلافية المتعلقة بإجراءات التخفيض والتكيف لعرضها على مندوبي‮ ‬الدول الأعضاء في‮ ‬الاتفاقية الذين سيشاركون في‮ ‬مؤتمر الأطراف الخامس عشر في‮ ‬كوبنهاجن‮ .. ‬ورغم ميل هذه الصياغات المقترحة نحو تأكيد ما هو جار العمل به منذ إقرار البروتوكول في‮ ‬1997‮ ‬والمتمثل في‮ ‬حصر إلزامية تخفيض الانبعاثات في‮ ‬الدول المتقدمة‮ (‬دول المرفق الأول،‮ ‬إلا أن الصياغات لم تخل من نجاح الأخيرة في‮ ‬تضمين هذه الصياغات مقترحات تقضي‮ ‬بأن‮ ‬يكون الالتزام بالتخفيض مشتركاً‮. ‬وتتراوح نسبة التخفيض المشتركة‮ (‬المقترحة‮) ‬ما بين‮ ‬50٪‮ ‬من مستوى عام‮ ‬1990‮ ‬حتى عام‮ ‬2050‮ ‬و71‮-‬81٪‮ ‬وأكثر من‮ ‬85٪‮.‬
وعلى ذلك فإنه بقدر ما تبدو الصياغات المتعددة كخيارات سهلة العرض والتداول والتوافق على الأطراف المشاركة في‮ ‬مؤتمر كوبنهاجن،‮ ‬باعثة على الأمل في‮ ‬التوصل إلى إطار جديد لاتفاقية تغطي‮ ‬مرحلة ما بعد بروتوكول كيوتو الذي‮ ‬سينتهي‮ ‬أجله في‮ ‬عام‮ ‬‭,‬2012‮ ‬فإنها بنفس القدر تفتح الباب أمام الانزلاق إلى متاهاتها النقاشية التي‮ ‬ستطول وتسابق الزمن المخصص للمؤتمر‮.‬
ولن‮ ‬يكون مستغرباً‮ ‬إذا ما شهدت الأيام الأخيرة للمؤتمر حضوراً‮ ‬مكثفاً‮ ‬للقيادات السياسية العالمية الرئيسية لممارسة نفوذها على الأطراف كافة لدفعها نحو الخروج باتفاق‮ ‬يتناسب مع تحديات التغير المناخي‮.‬
يبقى أن نشير إلى أهمية التمثيل العربي‮ ‬عالي‮ ‬المستوى في‮ ‬هذا المؤتمر،‮ ‬لأنه سيشكل انعطافة كبرى بالنسبة للدول النامية،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬الدول النفطية،‮ ‬فيما‮ ‬يتعلق بوضعها الاقتصادي‮ ‬المستقبلي‮ ‬إذا ما نجحت الدول المتقدمة في‮ ‬جر الدول النامية إلى فخ‮ ‘‬الالتزام الجماعي‮ ‬المشترك‮’ ‬بتخفيض الانبعاثات.
 
صحيفة الوطن
17 اغسطس 2009