نشط الحديث في الآونة الأخيرة حول وضع التيار الديمقراطي في البحرين، ورغم أن الأمر ظلّ في حدود التداول الصحافي، لكن هذا لا يقلل من أهمية هذا الحديث القديم المتجدد، والذي لن ينتهي الحديث حوله، في ظل شعور قطاعات واسعة بحاجة المجتمع إلى دور هذا التيار، أمام هذا الاستقطاب الطائفي الذي يزداد حدةً في المجتمع، والذي طال فيما طال مسألة مثل توزيع الوحدات السكنية التي تحولت بقدرة قادر من قضية حياتية معيشية حيوية إلى قضية طائفية ومذهبية بامتياز. يأتي هذا الحديث على خلفية تطور ايجابي، حتى لو كان ما يزال محدوداً وبطيئاً في إيقاعه، تمثل في اللقاءات الدورية الثلاثية بين الجمعيات الرئيسية في التيار الديمقراطي: المنبر التقدمي والعمل الوطني الديمقراطي والتجمع القومي، التي تعد امتدادا للتيارات الأساسية في هذا التيار، وأهمية هذه اللقاءات أنها انتظمت للمرة الأولى منذ التغييرات السياسية في البحرين بعد المشروع الإصلاحي، والتي أتاحت لهذه الجمعيات، كما لسواها من قوى، العمل بصورة علنية في إطار مؤسسات يمكن وصفها بالمؤسسات الحزبية. ولا نختلف أبدا مع كل القائلين أن هذه الجمعيات الثلاث، على أهمية دورها، النابع أساساً من كونها إطارات منظمة، لا تمثل كل التيار الديمقراطي والوطني في البلاد، الذي هو أوسع وأرحب بكثير من هذه التنظيمات الثلاثة، وهذا ما يجري الإمعان في تجاهله من خلال تنكر هذا التيار للكثير من مكوناته تحت حجج وذرائع مزاجية واعتباطية. لكنا ما زلنا نرى أن لقاء هذه القوى ضروري لكي يبدأ تحرك جدي في اتجاه لملمة صفوف التيار الديمقراطي في البلاد، ليستوعب جميع مَن يهمهم أن يكون هذا التيار موحداً وقوياً وفاعلاً، ويمكن للعناصر الوطنية التي اختارت لسبب أو لآخر أن تصبح مستقلة، وتنشط خارج التنظيمات التي كانت حتى حين قريب أو بعيد في إطارها، أن تلعب دوراً مهماً في اتجاه تشكيل رأي ضاغط في الدفع بتعجيل انجاز مهمة وحدة التيار الديمقراطي، بالانتقال من حدود الدعوات الخيرة، إلى الاشتباك بالتفاصيل الملموسة لهذه المهمة. وحدة التيار الديمقراطي ليست مهمة خاصة بالاستحقاق الانتخابي الوشيك في العام القادم، ورغم كل ما يُقال من عدم حسم بعض جمعيات التيار الديمقراطي لأمرها بالمشاركة فيه، فإن مجمل الحراك السياسي يشير إلى العكس، لكن هذا الأمر على أهميته ليس هو ما يجب أن يحدد الحاجة إلى وحدة هذا التيار التي نراها مهمة إستراتيجية وليس تكتيكية، في ظل القراءة السياسية لآفاق التطور السياسي المقبل في البلاد. وهذه الآفاق تظهر وستظهر أكثر حاجة المجتمع للصوت الذي تمثله جمعياتنا الديمقراطية، التي هي صوت الحركة الوطنية البحرينية التي نجحت في ما لن تفلح الجمعيات الإسلامية في بلوغه أبدا، حتى لو حسنت نوايا القائمين عليها، في أن تستوعب في صفوفها أعضاء من مختلف الانحدارات الاجتماعية، عرقياً ودينياً وخلافه، وأن تطرح بالتالي مطالب الشعب كله، لا الاكتفاء بمطالب أبناء المذهب أو الطائفة أو المنطقة، وأن ترسم طريق التطور الصحي الحداثي للمجتمع. يطرح هذا الموضوع عدداً من القضايا التي نتطلع لتسليط شيء من الضوء عليها في أحاديث تالية خلال القادم من الأيام.
صحيفة الايام
17 اغسطس 2009