المنشور

حول وحدة التيار الديمقراطي.. ونحو تدشين..”الخط الثالث”

يوما بعد يوم تنكشف جليا -أكثر فأكثر- الضرورة الحياتية للعمل المشترك والممنهج، فيما بين تلك القوى المتعارف على تسميتها بـ”التيار الديمقراطي” في مجتمعنا البحريني المعاصر، والسعي الحثيث لتشكيل “الخط الثالث” بُغية الخروج عن حال المراوحة والتراخي المتعلقة بالعمل السياسي المحترف.. والخروج على الكسل الفكري الحالي المتعشعش في الجمعيات السياسية عامة والديمقراطية منها خاصة.
تطرح الحياة – يوما بعد يوم- مستجدات واستحقاقات جديدة في حاجة إلى معاينة علمية دقيقة.  ويضع التاريخ الآن على أجندة القوى السياسية، المعنية بالتحديث والتنوير والعصرنة، ضرورة المبادرة والإقدام للنزول الفعلي الى ميدان النضال الوطني والديمقراطي العلني والقانوني من خلال المشاركة الفعالة لتحريك وتوسيع الحراك الاجتماعي والسياسي. والوقوف بتميز وعلى مسافة بيّنة وواضحة بين القوتين الأساسيتين؛ السيدة والسائدة أي “الحكم” وقوي “الاسلام السياسي”، لطرح البديل من رؤى ونهج وحلول للمشاكل المستعصية الشاملة التي تئن من وطئها الطبقات الفقيرة والمهمشة وشرائح أساسية من الطبقة الوسطى. بجانب أهمية العمل الدؤوب من أجل أولوية ترسيخ وتفعيل الحريات الشخصية والعامة، التي تصب –بالضرورة- في مصلحة جُلّ طبقات المجتمع، الفقراء منهم والأغنياء. ومن البديهي أن هناك عقبات كثيرة موضوعية وذاتية تحول دون المرتجى في تشكيل التيار الديمقراطي المأمول.. ولكن لابد من المحاولة و المبادرة فالأمور لا تحدث تلقائيا ! 
  
انطلاقا من أهمية السجالات النظرية في تسهيل فهم إشكالية العمل المشترك بين القوى الديمقراطية وضرورة تخطي العقبات، يسرنا أن نهيب بالنخب المثقفة الديمقراطية على الاستجابة لطرح رؤاها بشكل منهجي، بغية تبلور الرأي الديمقراطي الأسلم في هذا الأمر الحيوي الهام. وهنا في هذه المساحة المقتضبة بودنا أن نشير إلى أهم العوامل والشروط، التي نراها ضرورية قبل غيرها- حسب وجهة نظرنا- من اجل وضع اللبنة الأساسية السليمة لتدشين تيار”الخط الثالث”، المتجسدة في النقاط الخمس الآتية: 
  
1. يجب أن تتشكل مكونات “الخط الثالث” من كل القوى العلمانية والعصرية والعناصر والشخصيات الدينية المستنيرة، التي تؤمن حقا بشعار “فصل الدين عن الدولة”.. وتناضل بلا كلل ضد محاولات فرض الأيدلوجيات والعقائد والتفسيرات المغلقة والرؤى الخرافية والرأي الذكوري الأحادي المتزمت، المتأتي من ثقافات وموروثات عتيقة مفروضة على العباد، التي لا تتوغل (المفروضات) الى مختلف زوايا الحياة الفردية فحسب، بل تصل الى الأمور الشخصية البحتة من زي وملبس ومأكل الخ.. ومن هنا فان الضرورة القصوى تستدعي الوقوف بحزم من جانب كافة القوى والعناصر الديمقراطية ضد محاولات فرض “السلطة الدينية” (حكومة الظل الطلبانية) في مجتمعنا أو ما يسمى بـ” أسلمة القوانين”. بدل ذلك أو في تعارض من ذلك المنهاج يجب على هذا التيار العريض المتكون من القوى العصرية والديمقراطية كافة – اليمين واليسار- أن توحد جهودها من اجل تدشين وتفعيل دولة المؤسسات والقانون يكون عنوانه الابرز؛ “الدين لله والوطن للجميع” ، بغية ترسيخها نحو مجتمع مدني، أساسه التنوع الثقافي والديني والسياسي والمساواة الجنسية. 
  
2. يجب أن تتحاور مكونات هذا الخط المأمول بشكل ديمقراطي فعال وباستمرارية لا تعرف الموسمية، ضمن العمل المشترك في سبيل الاقتراب من الأرض والوضع الفعلي والواقع الموضوعي لمعرفة دقائق أمور مجتمعنا حتى يتسنى لها من وضع أياديها على نبض الواقع الحي بعيدا عن التشطح والخيال والتمنيات المرجوة. بجانب ضرورة المحاولة الجادة لكل فصيل من التيار الديمقراطي في سبيل تطوير وتجذير نظرياتها ورؤاها الخاصة وعصرنة ذخيرتها الفكرية، حتى تتمكن من قراءة الواقع المعاصر المتحرك والملتبس بشكل أفضل، الأمر الذي يقربها من حلفائها في التيار الديمقراطي، ويسهل العمل الجماعي المشترك فيما بين القوى الديمقراطية. كما يجب على هذه القوى إعطاء أهمية أكبر من السابق لإستراتيجية تأهيلية بغية إنتاج كوادر مناضلة ومخلصة وشابة على مختلف الصعد النظرية والعملية، الفكرية والتطبيقية .     
  
3. يجب أن تُترك الخلافات الأيدلوجية والفكرية والسياسية والرؤى المستقبلية جانبا فيما بين مكونات التيار الديمقراطي في الوقت الحاضر. والابتعاد عن التمايلات الاستحواذية والتخلص عن أي وهم وحدوي قسري لتأطير تلك المكونات الديمقراطية في تنظيم حزبي موحد، ومرد ذلك لأن القوى تلك قادمة من مدارس فكرية وفلسفية مختلفة وان كان يوحدها الهدف المشترك في هذه المرحلة الانتقالية الهامة، المتسمة بالضبابية، المفتوحة على احتمالات غير مسبوقة. يجب أن تنأى القوى الديمقراطية جميعها عن استخدام “فيتو” الممانعة ضد اية قوة سياسية واجتماعية أخرى (منافسة) مهما بدت هامشية، انطلاقا من الحق الديمقراطي والاستقلالية الذاتية لكل فصيل.  ليس هذا فحسب بل أضحت كل مدرسة او قوة سياسية تعاني بداخلها من نواقص شتى كالنخبوية والنرجسية وتباينات فكرية وصراعات شللية وخلافات شخصانية! .. بمعنى أن كل جمعية سياسية في حاجة ماسة أولية لترتيب بيتها الداخلي( تنظيميا وفكريا) قبل التفكير تجاه أية خطوات وحدوية اندماجية مع هذه القوة أو تلك.  
  
4. يجب على القوى الديمقراطية أن تدرك صعوبة مهامها في تسويق بضاعتها السياسية في ظرف غير مؤات، تتطلب الكثير من الجلد بجانب تضحيات كبيرة في الوقت والجهد والمال ..الخ. وعدم التركيز-أكثر من اللازم – أو التدافع على المكتسبات الوقتية كالدخول للبرلمان (على أهميتها) وغيرها من المغريات التي قد تسيل لعاب نخبها. وفي نفس الوقت يجب عدم التقليل من قوتها الذاتية الحالية والكامنة (المستقبلية)، وحذارى من مغبة السقوط في مطب جلد الذات!.  يجب على هذا التيار أن يعيد ثقته بنفسه ويراجع حساباته وأن ينأى بنفسه عن السذاجة السياسية المتجسدة في الثقة المفرطة بقوى “الاسلام السياسي” والركون البليد على الثقل المجتمعي الذي قد يشكله التيار الديني ودوره الضاغط (المزعوم) في دفع الإصلاح الديمقراطي والعصري للأمام ( انظروا إلى حال إيران اليوم والسودان وغزستان وغيرها من الأنظمة “الدينية” والطلبانية المستبدة ) !! 
  
5. وأخيرا –وليس آخرا- يجب على هذه القوى أن تفهم بعمق السمة العامة وخصوصيات مجتمعنا البحريني المعاصر وأولويات الشعارات المطلبية المطروحة. وقبل كل ذلك يجب معرفة سمة العصر على المستوى العالمي وتداعياتها الإقليمية بجانب فهم طبيعة المرحلة الوطنية التي نحن بصددها    للوصول إلى جذر الصراع الاجتماعي او التناقض الأساس في مجتمعنا، الذي يتمحور – في تقديرنا – حول صراع النقيضين؛ بقايا أفكار وموروثات القرون وسطية والإقطاعية، السائدة والمتحكمة في الوعي الاجتماعي والمعيقة للتقدم والإصلاح.. مقابل تشكل الوعي الحداثي والتنويري الجديد، الذي يهفو لتدشين مجتمع مدني عصري. بمعنى أن مجتمعنا ينتقل من مرحلة المنظومة الإقطاعية القرون وسطية إلى منظومة الرأسمالية المعاصرة.. ومن هنا فان الاصطفاف المجتمعي بات جليا فيما يتعلق بالوقوف مع أي طرف ضمن مهام المرحلة الحالية! ولاغرو أن وصول كافة القوى التي تدعى العصرية والحداثة والديمقراطية والتقدم لهذا الاستنتاج عملية فكرية وتاريخية شاقة ومؤلمة! 
  
صحيفة الوقت
16 اغسطس 2009