يميل البعض في الغرب وفي إيران إلى تصوير الأزمة الراهنة في إيران على أنها صراعٌ طبقي بين الطبقات العُليا المُترفة والطبقات الفقيرة الوسطى والدنيا. من ناحية، هم يؤكدون أن مُعسكر محمود أحمدي نجاد يُمثل مصالح الطبقة العاملة والفقراء، ومن الناحية الأخرى،
الطبقات الاجتماعية وأزمة ما بعد الانتخابات في إيران
طبقات اجتماعى درﮔير در بحران ﭙس از انتخابات ايران
Social Classes and the Post-election Crisis in Iran
بقـــــلم: فرزين يحدات
ترجمة: غريب عوض
يميل البعض في الغرب وفي إيران إلى تصوير الأزمة الراهنة في إيران على أنها صراعٌ طبقي بين الطبقات العُليا المُترفة والطبقات الفقيرة الوسطى والدنيا. من ناحية، هم يؤكدون أن مُعسكر محمود أحمدي نجاد يُمثل مصالح الطبقة العاملة والفقراء، ومن الناحية الأخرى، تتشكل القاعدة الاجتماعية للأصلاحيين في معظمها من الطبقات العلياء، المُعتادة على حياة الرفاهية واللامبالاة بمحنة الفقراء، إن لم يكن إحتقارهم.
إذا ما ألقينا بنظرة قصيرة إلى السنوات القليلة الماضية وإلى سير الحملة الانتخابية في إيران سوف تتكشف لنا صورة مختلفة. لقد وصل محمود أحمدي نجاد إلى سدة الحكم منذو أربع سنوات خَلَتْ، إذا افترضنا أن الانتخابات السابقة كانت، على نحوٍ مقبول، نظيفة، عن طريق وعد الطبقات الدنيا بإتخاذ إجراءات لتحسين وضعها الاقتصادي وضمان العدالة الاجتماعية ضد القياديين الفاسدين الذين جمعوا ثروات ضخمة على حسابها. ولكن الذي أنجزهُ محمود أحمدي نجاد كان عطاءات لفئات مُختارة ليشتري دعمها وولائها. إن هذا النوع من علاقة الراعي – والزبون بطبيعتها لا يمكن بنائها على نطاق واسع ليضم قطاعات كبيرة من الطبقات المحرومة في إيران؛ لا يمكنها إلا أن تكون نخبوية ومحدود النطاق. ومن ناحية أخرى، لقد نتج عن الإدارة السيئة للإقتصاد هلى يد محمود أحمدي نجاد وعصبتهِ زيادة إفقار الغالبية العظمى من الطبقات الدنيا في مناطق عديدة في إيران، خاصة في المُدن الكبيرة والصغيرة، والتي تضم الآن 70% بالمئة تقريباً من مُجمل السكان.
ومن ناحية أخرى، يستطيع الإصلاحيون احتساب من بين مؤيديهم قطاعات عريضة من الطبقات الاجتماعية المختلفة في إيران. بدأ مير حسين موسوي حملتهُ متوجهاً أولاً وقبل كلِ شيء نحو الطبقات الوسطى الدنيا في طهران ومُدُن الأقاليم. عندما أطلق على نفسه أولاً لقب رجل ذي مبدأ ثم بعد ذلك لقب الاصلاحي، كانت تلك محاولة منه لتعزيز قاعدته الاجتماعية بين الجماهير في جنوب طهران وبين طبقات مشابهة في المُدُن الأخرى. ولم تجد الطبقات الوسطى، التى كانت ستُعطي أصواتها لشخص مثل محمد خاتمي، لم تجد مير حسين موسوي المُرَشح الذي سوف يُساعدها في مطالبها لمزيد من الحريات الديمقراطية، والحقوق المدنية، والاستقرار على الصعيدين الداخلي والدولي، إلا فيما بعد. وعلى نفس الخط وجدت النساء، والشباب، والطلاب نفسها، مشدودة تجاه مير حسين موسوي لاعتقادهم بأنهُ بإمكانهِ مساعدتهم في التقليل من التمييز وفتح مزيد من المسالك الديمقراطية لأجلهم. والاصلاحيين بصفتهم مُرَشحين أصلاحيين، خاصةً مير حسين موسوي اعتمدوا على طيف واسع من المجتمع الإيراني من مختلف طبقات المجتمع، وبملاحظة حشود الحملة الانتخابية وبالمشاركة في الاحتجاجات فيما بعد، كان ذلك بمثابة نجاح في الحصول على الدعم المنشود.
أن مما ستتمخض عنهُ الأزمة العميقة الراهنة في إيران مُعلق على قدرة الطبقات المختلفة التي شاركت في الانتخابات وفي احتجاجات ما بعد الانتخابات على استعادة حيويتها. إن دور الطبقات الوسطى مُهمٌ جداً، لأن مطالبهم السياسية هي القادرة على إحداث تحول في طبيعة الدولة في إيران.
أعتماداً على الصور ولقطات الفيديو المُتاحة لنا، يبدو أنهُ حتى هذهِ اللحظة إن معظم صراخ وضجيج التذمر صدر من الطبقات الوسطى في طهران والمُدُن الكبرى الأخرى. السؤال الذي يطرح نفسهُ الآن هو كم هم مرنون وحيويون مواطنوا هذهِ الطبقات الوسطى؟ إن الطبقات الوسطى، كما هو معروف، لديها الكثير تخشى أن تخسره إذا هي شنت هجوماً مباشراً على الأنظمة المُستبدة. لقد حدث مثل هذا في الكثير من الاحداث الشبيهة في القرن العشرين في كثير من مناطق العالم (إن ما أطلق عليها أسم الثورات المُخملية يجب ألا تقارن بالقضية الراهنة في إيران، لأن النخبة الحاكمة في تلك الدول قد فقدت الكثير من شهية التمسك بالسلطة بأي ثمن؛ ولكن بالنسبة لقضية إيران فإن النخبة الحاكمة هي من الجيل الأول الذي أمسك بالسلطة عن طريق العُنف ولن تتخلى عنها بسهولة). ولكنني أعتقد أن الطبقات الوسطى في إيران أكثر متانة من المتوسط. فأصولها في مُعظمها من زمن قريب، حيثُ أنها تكونت خلال السنوات الثلاثون الماضية. فهي قد مرت بفترة الثورة والحرب. فتبدو أنها سئِمت كُلياً القيود المفروضة عليها من قِبل النظام. في الحقيقة تتكون الطبقة الوسطى في إيران من فئتين. أحدهما تشكلت فوق ما تبقى من طبقة بهلوي الوسطى التي كثيراً ما تمردت على نظام الشاه ولكنها اختارت البقاء في إيران بعد أن قادر جزء كبير من كوادرها إيران مباشرةً بعد الثورة الإسلامية. ويجب إضافة إلى هذهِ الفئة هؤلاء الذين عادوا من الشتات بعد نداء هاشمي رفسنجاني من أجل إعادة إعمار البلاد في نهاية الحرب العراقية الإيرانية.وتُشكل الفئتان أحدى جناحي الطبقة الوسطى الإيرانية الحالية. وكانت ولا تزال مُحبطة، بسسب الشعور بالتهميش، وهو سياسي في مُعظمه ولكنهُ اقتصادىٌ أيضاً، بالرغم من جهودها في المساهمة إعادة إعمار البلاد. كما أنها تشعر بأنهُ تمت خيانتها من قبل وعود هاشمي رفسنجاني، ثم خامنئي تلك الوعود التي لم يُفّ بها، المتعلقة بحقوقها المدنية. وهذهِ الفئة تتمتع بالمرونة، لأنها استطاعت البقاء خلال المواقف الصعبة. صحيح أن جزء كبير من هذهِ الفئة مُهتمٌ باللذة والمُتعة ونِعَم الحياة المادية إلى حد كبير، ولكن هذهِ الفئة إذا ما أبدت أهتمامها بالشأن العام فإن ردة الفعل لديها ستكون قوية.
ويتكون الجزء الثاني من الطبقة الوسطى الحالية في إيران من المُضطهدين سابقاً (المُستضعقين) الذين أستغلوا الفُرص السياسية، والتعليمية، والاقتصادية التي وفرتها الثورة لهم ليصلوا إلى وضع الطبقة الوسطى وطوّروا شهيتهم لمطالب مادية ومطالب سياسية على نحوٍ متزايد. وهؤلاء مُتَمسكون برغباتهم بشدة، ويعتبِرون أنفسهم هم الورثة الحقيقيون للثورة الإسلامية لأنهم أصبحوا من الطبقة الوسطى عن طريق نضالهم. إن أبناء هاتين الفئتين من الطبقة الوسطى هم الشباب الذين نزلوا إلى الشارع وهم طلاب الجامعات الذين تحدوا الحرس القديم. ونتيجة لتجربتهم أثناء بناء الطبقة الوسطى، فإن مواطنو الطبقة الوسطى في إيران أكثر متانة من الطبقات الوسطى التي كانت موجودة قبل الثورة. إن النساء في هاتين الفئتين مُثابرات بشكل خاص في مطالبهُنَ بسبب التهميش المُزدوج الذي قد شعرن بهِ خلال الثلاث عقود الأخيرة.
أما الطبقات الدنيا في مناطق الأقاليم فلديها اهتمامات ومطالب مُختلفة نوعاً ما. فأولوياتها هي العدالة الاجتماعية والقضاء على الإهانة المرتبطة بالفقر. ولكن يبدو أنها قد تأثرت في الآونة الأخيرة هي أيضاً ببعض اهتمامات الطبقات الوسطى مثل الحريات الشخصية، وتذوق ”كماليات“ السلع الاستهلاكية. وبالنظر إلى المناطق التي حدثت بها المسيرات والتظاهرات، على سبيل المثال، أحياء الطبقة العاملة بشكل متزايد، يبدو أن مزيد من أبناء هذهِ الطبقة أخذ يشترك في هذهِ الاحداث. وخلال ثورة عام 1979 كانت هذهِ الطبقة هي الجدار الذي استندت عليه تلك الثورة. لايوجد سبب يمنع هذا القطاع المُهم من الشعب الإيراني من إن لايهتم بإحداث التغيير في إيران. إذا قاموا بإضرابات في المصانع المهمة مثل صناعة النفط، بإمكانهم إحداث ضغطاً هائلاً على النُخبة الحاكمة في إيران.
مهما كان شكل النتيجة المباشرة للأزمة الراهنة في إيران، فإن هذهِ الطبقات والفئات المُتنوعة يمكنها بلوغ أهدافها على المدى المتوسط إلى البعيد إذا هي تبنت ستراتيجيات حكيمة وفقاً للتقلبات السياسية، تَشِدُ وتُرخي. حسب الضرورة.
انتهى،،،
Ghareeb1950@yahoo.com