أحرص حين التفكير في شراء طاولة مكتب أن تكون هذه الطاولة عريضة وواسعة حتى تتسع لأوراق وملفات أكثر، وفي محل بيع الأثاث ترتسم في ذهني صورة للطاولة وهي تأخذ مكانها في المكتب بصورة مرتبة، وأقول إني سأتعلم من دروسي الماضية ولن أسمح للأوراق والملفات وقصاصات الجرائد وسواها أن تتراكم فوق الطاولة حتى لا تكاد تترك لي متسعاً ولو ضيقاً لكتابة حتى مقالي اليومي. ومن تجربتي فاني في أول أسبوعين أو ثلاثة من شراء الطاولة أواظب على ألا تتكدس عليها الأوراق، فاكتفي بزاوية صغيرة في طرفها أضع فيها ما أحسبه “أوراقاً هامة” أو أوراق احتاجها، وسوى ذلك أضعه في الأدراج أو رفوف المكتبة، وأظل أنظر بسعادة إلى سطح الطاولة الفارغ من كل شيء تقريباً، محرضاً على الشغل. لكن الأمر لا يطول على هذا الحال، “فمن شب على شيء شاب عليه” – كما يقولون، فسرعان ما تتراكم الكتب والأوراق والقصاصات والجرائد، ويختفي لون سطح الطاولة تحت ركام الورق والكتب، كما أراها الآن أمامي وأنا أكتب هذه السطور. ينفرني هذا المنظر، أكثر ما ينفرني، في الأوقات التي يتعين عليّ فيها إعداد ورقة أو بحث لندوة أو مؤتمر، لأني ما أن أنظر للطاولة وهي على هذا الوضع حتى أقرر تأجيل البدء في إعداد الورقة لحين ترتيب الطاولة، ولأني حريص على أن أقوم بنفسي بهذه المهمة، فإنه يتعين عليَّ انتظار اليوم الذي يكون فيه مزاجي مزاج شغل، وأنصرف إلى فرز الأوراق والقصاصات المتراكمة على الطاولة، وأبدأ ذلك غالباً منذ الصباح بهمة وحماس كي أعيد للطاولة “فضاءها الحر” الذي غيبته الأوراق، وأجد نفسي أغرق في قراءة تلك المكدسات، لاكتشف بعد حين أن الوقت مرَّ وأن الهمة تباطأت والحماس قد خف. صحيح أن الطاولة أصبحت مشرقة وخالية من ركام الورق، لكن مزاج العمل نفسه قد تبدد. حرضني على رواية هذه التجربة ما أرسله لي صديق عبر “الانترنت” عن دراسة شملت أكثر من خمسة آلاف مكتب لدراسة الجوانب النفسية لأصحابها، وقد قسمت أخصائية نفسية أجنبية، العاملين وراء المكاتب إلى تسعة أنواع، وفق الترتيب التالي: المكتب النظيف المرتب دليل على موظف من الطبقة الوسطى يريد أن يقول إنه ممتاز ولم يحصل على حقه، المكتب المدفون تحت أكوام الملفات والأوراق والأشياء المهملة يدل على تشتت ذهن صاحبه بين أكثر من شيء، المكتب الفوضوي الذي تتراكم عليه الكتب والرسومات والمذكرات صاحبه رجل يعيش على سجيته. أما المكتب الذي عليه صور الأولاد أو العائلة والأشياء الأخرى الشخصية صاحبه يشعر بالوحدة وعدم الأمان، والمكتب الذي به إضاءة تأثيرية ورموز للقوة صاحبه يتمتع بموهبة القيادة ولا يحب أن يتجاهل أحد تأثيره على الآخرين، فيما المكتب المحمل بعلب السجائر وفناجين القهوة والأوراق المتناثرة صاحبه مفكر تدفعه الحاجة إلى العمل، المكتب الذي عليه اسم صاحبه ووظيفته، صاحبه يطلب الاعتراف بأهميته ويحب المواجهة، المكتب الذي ليس به أية ملامح شخصية صاحبه غامض يحب السيطرة، المكتب المغلق النوافذ والداكن الألوان صاحبه محبط وضيق الصدر. إذا أردتم أن تعرفوا أنفسكم، إذاً، حددوا نوع المكتب الذي تعملون عليه.
صحيفة الايام
15 اغسطس 2009