يحتاج العمل السياسي الديمقراطي إلى نشاط الفئات الوسطى الديناميكية عادة، المتحركة، الباحثة عن مواقع قدم لها في الأرض الاجتماعية، وكذلك مبدئية العمال وصلابتهم في النضال.
ومن حق أي حركة سياسية أن تعمل في كل أرضها الوطنية وتختار المواقع المناسبة لها، التي تعطيها منتجاً سياسياً أكثر من غيرها، وخاصة تلك المواقع التي لها حضور تاريخي فيها.
كانت الانتخابات السياسية قد تجيرت بشكل طائفي خطر من قبل الهيئات المتنفذة حكومياً وأهلياً، وهو مصير سيئ للجميع مع الاستمرار في تجذيره، ولعدم القدرة على إنتاج ثقافة وطنية حديثة.
عبرت القوى التقليدية المتسيدة على الأرض عن أفكار قديمة، مثلما أن القوى الجديدة عاجزة عن إثبات جدتها.
رغم النشاط الذي تقوم به الفئاتُ الوسطى بطبيعةِ أعمالِها الحرة والوظيفية الحديثة لكنها ترتكز على الجانب التقليدي الفكري، والدعاية والأدلجة ونشاطات المقر.
هل تفكر القوى السياسية بالظروف الاقتصادية الصعبة للجمهور؟
هل تحلل أوضاع المدن التي تشتغل فيها سياسياً وظروفها العمرانية والاقتصادية والصحية والبيئية والمرورية؟
هل تعالج مشكلات العمالة الأجنبية وظروفها السكانية والاجتماعية المخلة بتطور البلد وظروفه؟
ما يتم التركيز فيه هو الخطابات السياسية والتحالفات للوصول إلى المقاعد، فليس ثمة خطط اقتصادية، ولا قدرة على معالجة التطور الاقتصادي الوطني برمته، ووضع الخطط البديلة الشعبية للخطط الحكومية.
فلابد من تلاقي الجمعيات والتيارات السياسية على خطوط عريضة ترتكز على المطالب العامة، وعلى النمو العقلاني للتيارات، وليس على الاستفادة من الحماسة المؤقتة.
يجب طرح مثل هذه الشعارات:
– نطالب بمراقبة للشركات العامة وميزانياتها ومداخيلها وكيفية توزيع فوائضها بالصورة المناسبة.
– نريد مساندة وإصلاح ومراقبة الشركات والبنوك الكبرى الخاصة لما فيه فائدتها وفائدة الأغلبية العاملة البحرينية.
– تغيير أوضاع الخدمات العامة المتراجعة في الصحة والتعليم والبيئة والعمل الخ..
– رفع مداخيل الجمهور بالصورة الاقتصادية التالية..
إن القوى الوسطى تتوجه للصراعات فيما بينها لأسباب فكرية لا تهم الجمهور، وبهذا تتصارع طائفياً وسياسياً بشكل غير حضاري، وهو أمرٌ يبدو في الشعارات، وليس ثمة تركيز في الأوضاع الاقتصادية العميقة، لأن دراسة هذه الأوضاع بشكلٍ موضوعي ليس بقدرة أحد التيارات بل تحتاج إلى تعاون جماعي كبير من التيارات المحلية.
التعاون المشترك من قبل القوى السياسية لتقوية الرقابة البرلمانية وجمع المعلومات الواسعة.
والهدف الاقتصادي الاستراتيجي إيجاد تعاون بين القطاعين العام والخاص يستهدف ضبط تطورهما المشترك وتنمية القطاعين ومداخيلهما ورفع مستوى معيشة الناس في ذات الوقت.
إذا وَضعت الفئات الوسطى التي بيدها النشاط السياسي الانتخابي مصالحَ الغالبيةِ العامة من الناس فهي تجذر تياراتها وأفكارها على صعيد حقيقي ومستقبلي بعيد المدى، بدلاً من انتهاز الفرص والوصول إلى الكراسي بغض النظر عن المستقبل واستغلال المشاعر المؤقتة، وهو ما لا يجذر أفكارها مهما كانت.
كما أن من المناسب للقوى العاملة أن تبحث عن مرشحين متجذرين ذوي خطط مستقبلية طويلة، فالاقتصاد يعاني كثيراً، والحكومة تعتمد على ما هو مؤقت، وعلى الإبر البترولية المؤقتة، وتدفق الشركات وفيضها العابر، وحتى الآن لم ينجح الاقتصاد المنوع الذي طـُرحت شعاراتهُ خلالَ عقود طويلة، مما يشير إلى سياسة اقتصادية غير ناجحة على المدى الطويل، سوف تتضح مشكلاتها مع تضاؤل الإنتاج البترولي.
ولم تنجحْ الإبرُ المؤقتة في السنوات الأخيرة والمعالجات القصيرة، والأمور تحتاج إلى تعاون وطني واسع بين قوى الدولة والتجار وأرباب العمل والعمال، تعاون سياسي عميق وليس اتفاقات مؤقتة وعاطفية.
وليس إلى تدفقات عفوية كبيرة تؤدي إلى بعض الدخول وإلى الكثير من الزحام والتضارب وفوضى السوق ونتائجه على ازدحام المواصلات وعلى الخدمات.
كذلك فإن الاندفاع على الموارد المحدودة ليس هو الجانب السليم.
وكذلك التدفق في استخدام الأراضي بأشكال مؤقتة سريعة.
هناك إذًا مشروع حكومي لاستثمار ما هو مباشر وبشكل سريع ومن دون وجود خطط اقتصادية موضوعية مسقبلية بعيدة المدى.
وثمة مشروعات خاصة للنمو الاقتصادي الربحي السريع من دون تعاون ورؤى جماعية ومن دون رؤية لأوضاع الغالبية.
بطبيعة الحال لن يهتم الجمهور العريض بمسائل الخطط المستقبلية وهياكل الاقتصاد وغير ذلك من القضايا المعقدة، بل سوف يطالب بخدمات رخيصة ومكاسب مادية كبيرة، ونواب يحققون له مثل هذه الرفاهية.
وهي أهداف مهمة فهناك دخول كبيرة قادرة على ذلك، وجزء من الرقابة البرلمانية والبلدية والسياسية لابد أن يتوجه لذلك، ولكن هذا لا يكفي من دون رؤية بعيدة المدى، وقوى سياسية ذات إدراك مسقبلي وذات قراءات للاقتصاد وكيفية إصلاحه وشرح ذلك للجمهور لكي تتشكل كوادر مستقبلية فيه تفهم هذه القضايا وتناضل من أجلها.
صحيفة اخبار الخليج
14 اغسطس 2009