هناك ثروة هائلة تتدفق في دول الخليج العربية وتتوجه لأجهزة الدول والبنوك وكبار الأغنياء، في حين تبقى الطبقات العادية في دخول متواضعة، وتتعرض للكثير من ضغوط الأسعار العالية والرواتب المحدودة.
نجد ان ذلك يتجلى في إعلانات البنوك عن الأرباح الكبيرة التي تحققها، وكذلك الدخول المختلفة العالية في حين تتجمد الأجور والرواتب بشكل غريب.
وهذا ينعكس على عدم تطوير الخدمات المختلفة وتحميلها على المواطنين والعمال الأجانب الفقراء غالباً.
ولا تستطيع البرلمانات والنقابات التأثير في هذه المعضلة، وتبقى مستويات المعيشة على حالها أو تتدهور بسبب ارتفاع الأسعار وجمود الخدمات العامة.
“تقرير يقول: إن أموال الأثرياء العرب حققت زيادة تقدر بـ 18% لترتفع أرصدتهم من 4،1 تريليون دولار عام 2006، إلى 7،1 تريليون دولار عام .2007 كيف حدثت هذه القفزة؟ يقول التقرير: إن الثراء المتراكم تم بفعل “الفورة” الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط في المنطقة، ويتوقع التقرير أن ترتفع ثروات العرب إلى 4،3 تريليونات دولار بحلول سنة 2012″، (الموقع الإلكتروني: لجينيات).
لا أحد يعرف كيف تتوزع الثروات بهذه الصورة، ولماذا تتوزع على البنوك والأثرياء الكبار بهذه النسب الكبيرة في حين تتشكل الخدمات والدخول للسكان بصورة مغايرة ومحدودة؟
تقرير آخر يذكر:
“ان دولتين خليجيتين بلغ عدد الأثرياء فيهما 178 ألف ثري، يملكون (فقط) 273 مليار دولار في سنة 2007”.
“المائة والثمانية والسبعون ألفاً من الأثرياء في دولتين خليجيتين – فقط – يمثلون أقل من 2% من مجموع سكان دول الخليج مجتمعة، ويملكون أكثر من نصف الدخل الوطني لبلدانهم”، (السابق).
نستطيع أن نقارب هذه الأرقام عبر نسب بين كل دول الخليج حسب عدد السكان، فالنسب العامة بين من يملكون ومن لا يملكون شديدة التباين ومتقاربة بين هذه الدول.
تتضح عملية محدودية المعيشة عند أغلب السكان وتضاؤل نمو الأجور وبطء الخدمات الأساسية كالاسكان في بقاء الميزانيات بجمودها المستمر، في حين تتصاعد الدخول الخاصة الكبيرة بشكل هائل غير طبيعي.
“تقرير ثالث صادر عن الأمم المتحدة، عبر هيئة التجارة والتنمية، أشار إلى أن حجم الأموال المختلسة في الدول العربية من خلال الفساد الإداري يقدر بـ 300 مليار دولار، وهو ما يكفي لتوفير أكثر من 20 مليون فرصة عمل، وما يُنهي بشكل شبه تام أزمة البطالة التي تؤرق حكومات الوطن العربي”، (السابق).
وفي حين تتراكم الثروات لدى القطاعات الخاصة، تتدهور خدمات مهمة ومستقبلية كبيرة في دول الخليج ذات الثروات الهائلة:
“وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول الخليجية التي تتبنى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وحلت بالمركز الـ 29 بين 122 دولة في العالم، بينما حلت قطر بالمركز الـ 36، ثم البحرين بالمركز الـ 50، والكويت الـ .54
غير أنه بمقارنة هذه المعلومات بتلك الصادرة في التقرير السابق، تظهر أن الإمارات العربية تراجعت ستة مراكز خلال عامين، بينما تراجعت الكويت ثمانية مراكز خلال عام واحد، في حين تراجعت البحرين، التي ابتليت بضعف التعليم والإبداع، فقد تراجعت 17 مركزاً خلال السنتين الأخيرتين”.
إن الثروات وتوزيعها يعيشان في حلكة وغموض شديدين، فلا توجد سوى هذه الإحصائيات العامة النادرة، فرؤية تفاصيلها وتشكلها غير موجودة مما لا يعطي البرلمانات والنقابات والصحافة إمكانية لتحليل ورصد وتغيير هذه النسب غير المتكافئة والشديدة الخطورة على التطور المستقبلي والاستقرار الاجتماعي.
فأموال الأرباح الخاصة وأموال الفساد المتداخلة لا يتضح توزيعها إلا بأشكال عامة غير محددة، مما يعبر عن ضعف الرقابات وسير الأمور المختلة من دون تصحيح.
وفيما تنمو الدخول العادية لجموع من المواطنين بشكل بسيط يكفي فقط للمعيشة، فإن قسماً كبيراً تتدهور معيشته ويعاني نزول مستوى المعيشة المتدني هذا، سواء بسبب البطالة أو بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة المتفاقم أو مزاحمة القوى العاملة الأجنبية.
من جانب آخر ينمو العديد من الثروات الخاصة الكبيرة على حساب البيئة وتدهور الزراعة والحرف والمرافق العامة، فنجد العمارات والفنادق تكتسح الشواطئ والأرياف وتضخم المهاجرين إلى المدن وتزيل المساحات الخضراء.
وتتوسع عمليات استيراد البضائع الأجنبية الغالية المرتفعة بشكل دائم، ولا تجد الأغلبية الشعبية إمكانية لشرائها، فتتوسع الديون ويتفاقم الاستهلاك.
ولابد لنا من البحث عن أرقام هذه التضادات وطرائق التخفيف منها.
صحيفة اخبار الخليج
9 اغسطس 2009