المنشور

جـــــــــــــو‮ ..‬تشينــــــــــــــي

بات واضحاً‮ ‬في‮ ‬ظل الإدارة الأمريكية الجديدة،‮ ‬بعد مرور أكثر من سبعة شهور على توليها مقاليد الأمور في‮ ‬البيت الأبيض،‮ ‬أن أمريكا سوف‮ ‘‬تطل‮’ ‬على العالم على مدى السنوات الثلاث والنصف القادمة،‮ ‬برأسين،‮ ‬رأس الرئيس باراك أوباما ورأس نائب الرئيس جو بايدن‮.‬ فبعد أن أسقط ديك تشيني‮ ‬نائب الرئيس الأمريكي‮ ‬السابق التقليد السائد في‮ ‬الممارسة السياسية الأمريكية التي‮ ‬تعطي‮ ‬دوراً‮ ‬محدوداً‮ ‬لمنصب نائب الرئيس في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬الأمريكي،‮ ‬هاهو جو بايدن نائب الرئيس باراك أوباما‮ ‬ينسج على منوال سلفه إذ‮ ‬يزاحم الرئيس ويضغط،‮ ‬هو والفريق اليميني‮ ‬المساند له في‮ ‬الحزب الديمقراطي،‮ ‬من أجل تقاسم السلطات مع الرئيس‮. ‬إذ‮ ‬يبدو أن ذلك أصبح حقاً‮ ‬مكتسباً‮ ‬لنائب الرئيس لا‮ ‬يريد هو وطاقمه التنفيذي‮ ‬وشبكته العابرة للمؤسسات الحكومية،‮ ‬أن‮ ‬يتنازلوا عنه‮.‬ واللافت أنه‮ ‬يقوم بالسير تماماً‮ ‬على نفس النهج الذي‮ ‬سار عليه سلفه تشيني‮ ‬ويحاول تكملة البرامج التي‮ ‬اختطها سلفه لعمل الإدارة على المسرح الدولي‮ ‬ضمن الاستراتيجية الأمريكية الشاملة بعيدة المدى‮. ‬فالأول زار أوكرانيا وجورجيا وأطلق من هناك تصريحات تحض وتحرض حكومتي‮ ‬الدولتين على الالتحاق بالحلف الأطلسي‮ ‬ومواصلة تحديهما لجارتيهما روسيا‮.‬ ويبدو أن نائب الرئيس الأمريكي‮ ‬الجديد‮ ‘‬بايدن‮’ ‬لبس معطف سلفه‮ ‘‬تشيني‮’ ‬ما إن خلعه الأخير،‮ ‬إذ ركب طائرته،‮ ‬ولم‮ ‬يكد‮ ‬يمضي‮ ‬عليه في‮ ‬البيت الأبيض ستة أشهر،‮ ‬وتوجه بها إلى أوكرانيا ومن بعدها جورجيا‮ (‬لاحظ أن زيارة تشيني‮ ‬لهما كانت في‮ ‬آخر أيام إدارة بوش‮)‬،‮ ‬وكأن‮ ‘‬بايدن‮’ ‬برحلته العجولة هذه‮ ‬يستكمل ما‮ ‘‬فبركه‮’ ‬سلفه،‮ ‬فراح‮ ‬يكرر ذات العبارات الاستفزازية لموسكو سواء في‮ ‬أوكرانيا التي‮ ‬حاول إنهاض الروح الأطلسية فيها أو في‮ ‬جورجيا التي‮ ‬أكد على دعم بلاده الثابت لرئيسها ساكشفيلي‮.‬ فهل بالإمكان القول إن نائب الرئيس الأمريكي‮ ‬الجديد‮ ‘‬جو بايدن‮’ ‬هو الرجل القوي‮ ‬في‮ ‬إدارة أوباما الذي‮ ‬استنسخ صورة ديك تشيني‮ ‬في‮ ‬الإدارة الجمهورية السابقة؟‮.‬ قد‮ ‬يكون هذا السؤال سابق لأوانه أخذاً‮ ‬بعين الاعتبار الشخصية الكاريزمية،‮ ‬الذكية والحيوية،‮ ‬للرئيس باراك أوباما،‮ ‬وهو ما كانت تفتقده شخصية الرئيس بوش التي‮ ‬كانت تعول أكثر على ديماغوجيتها وعلى مفردات الكاوبوي‮ ‬الاستعدائية النزقة‮.‬ ولكن استعجال‮ ‘‬بايدن‮’ ‬لإثبات وجوده وتثبيت نفسه كـ‮ ‘‬جوكر‮’ ‬داخل دوائر صناعة القرار البيضاوي،‮ ‬واندفاعه السريع والحاد على الجبهة الخارجية باستخدامه عبارات استفزازية وقيامه بتحركات تنطوي‮ ‬على رسائل ذات مدلولات مشابهة،‮ ‬قد‮ ‬يعجل بلفت انتباه الميديا وكل أولئك الذين ناهضوا عبر العالم النهج المغامر للإدارة الأمريكية السابقة،‮ ‬باعتباره الاستفزازي‮ ‬‭(‬Provocator‭)‬‮ ‬الجديد الباحث عن خلق المتاعب والأزمات في‮ ‬علاقات الولايات المتحدة مع عدد من الدول والحكومات التي‮ ‬لا تروق سياساتها للولايات المتحدة‮.‬ ويبدو أن بايدن وبطانته من اليمين المتشدد داخل الحزب الديمقراطي‮ ‬والإدارة الأمريكية الحالية‮ (‬لاحظ أنه صاحب فكرة تقسيم العراق‮)‬،‮ ‬قد اختاروا العودة للتركيز على كبار المنافسين للولايات المتحدة في‮ ‬الساحة الدولية‮: ‬روسيا‮ ‬ ‮(‬وستلحقها الصين في‮ ‬القريب‮) ‬بعد أن استنزفت الجبهات الفرعية التي‮ ‬فتحها الأمريكيون في‮ ‬أفغانستان والعراق،‮ ‬مخزوناتهم من الأموال والعتاد والموارد البشرية‮.‬ خذ مثلاً‮ ‬تصريحه الموحي‮ ‬بالدلالات الدالة على ذلكم المنحى،‮ ‬الذي‮ ‬كان أدلى به لصحيفة‮ ‘‬وول ستريت جورنال‮’ ‬غداة زيارته إلى أوكرانيا وجورجيا‮. ‬ففيما‮ ‬يتعلق بروسيا‮ ‬‭-‬المستهدفة أساساً‮ ‬بالزيارتين‮ ‬‭-‬‮ ‬قال بايدن‮: ‘‬إن الروس لديهم قاعدة سكانية تتضاءل واقتصاد‮ ‬يضعف،‮ ‬ولديهم قطاع مصرفي‮ ‬وبنية من‮ ‬غير المرجح أن تكون قادرة على تحمل الخمسة عشر عاماً‮ ‬المقبلة،‮ ‬إنهم في‮ ‬موقف‮ ‬يتغير العالم فيه أمامهم وهم‮ ‬يتعلقون بشيء من الماضي‮ ‬غير القابل للاستمرار‮’.‬ ليس هناك كلام أفصح من هذا فيما‮ ‬يرمي‮ ‬إليه‮ ..‬هو‮ ‬يُصور لمراكز القوى الرأسمالية الأمريكية المتمصلحة من‮ ‘‬بيزنس‮’ ‬التوترات الدولية،‮ ‬أن روسيا في‮ ‬موقف ضعيف وأن على الولايات المتحدة أن تستغل هذا الضعف لتحقيق مكاسب استراتيجية‮.‬ إنه،‮ ‬بهذا المعنى،‮ ‬يعيد إحياء نهج سلفه السابق ديك تشيني‮ ‬بما‮ ‬ينطوي‮ ‬عليه توجهه الاستفزازي‮ ‬هذا من فرص الدخول في‮ ‬صدام مع موسكو،‮ ‬وهو ما‮ ‬يقع على تضاد مع المواقف المعلنة،‮ ‬على الأقل،‮ ‬للرئيس أوباما التي‮ ‬تذهب في‮ ‬اتجاه إصلاح ما أحدثته الإدارة السابقة من أعطاب في‮ ‬علاقات واشنطن بعدد من بلدان العالم ومن ضمنها روسيا‮.‬ إنه ذات النهج المغامر الذي‮ ‬إذا ما قُيض له التوفيق في‮ ‬مسعاه فإنه كفيل بأن‮ ‬يضع كل وعود وتطمينات الرئيس الأمريكي‮ ‬الجديد التي‮ ‬أرسلها إلى العالم،‮ ‬في‮ ‬خبر كان وأن‮ ‬يجعلها هباءً‮ ‬منثوراً‮. ‬وهو ما سيؤكد،‮ ‬إذا ما تحقق،‮ ‬على أن الطبع‮ ‬يغلب التطبع وأن‮ ‘‬المؤسسة‮’ ‬الأمريكية هي‮ ‬أقوى من كل محاولات إصلاحها من الداخل،‮ ‬وإنها عصية على التطويع والتقويم‮.‬
 
صحيفة الوطن
8 اغسطس 2009