تعاني العملية السياسية في العراق، وبناء دولة المؤسسات الديمقراطية الدستورية مصاعب جمة جراء تركيبة البرلمان الحالي ونظام المحاصصة سيء الصيت وابتعاد الكتل السياسية النافذة في البرلمان عن تغليب المصالح الوطنية العليا والانغماس في مساعي تطمين المصالح الضيقة لهذه الكتل ، والعمل على ضمان المواقع التي احتلتها في الانتخابات البرلمانية السابقة ، وتكريسها في الانتخابات المقرر اجراؤها في شهر كانون الثاني/يناير القادم . هذه المواقع التي باتت مهددة بفعل ما اظهره الناخبون، الى حد ملحوظ، في انتخابات مجالس المحافظات، التي جرت في بداية هذا العام ، من ميل لتغليب الشعارات الوطنية العامة على الشعارات الطائفية والفئوية الضيقة . وكان، ولا يزال، موضوع العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان من بين اكبر العقد التي تكدر الوضع السياسي وتهدد بوقوع صراعات خطيرة ، غير محمودة العواقب، لدرجة باتت تهدد بصدامات مسلحة . وقد غذى هذه الهواجس والمخاوف التناول الحاد لهذا الموضوع في تصريحات شخصيات نافذة في الاقليم واخرى في الحكومة وشخصيات برلمانية في بعض الكتل التي تتشكل منها الحكومة. حتى بات الامر يقلق اوساطاً واسعة من الرأي العام العراقي بعربه وكرده وتركمانه ومسيحييه وسائر فئاته الاخرى . ولذا كان لابد من اللجوء الى التهدئة والبحث عن السبل الكفيلة لحل الاشكالات العالقة بين الطرفين عن طريق الحوار البناء ، الذي يستهدف التوصل الى الحلول المقبولة من جميع الاطراف . وكانت مبادرة الرئيس جلال الطالباني بدعوة رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، الذي انتخب لرئاسة الإقليم مجدداً في الخامس والعشرين من شهر تموز/يوليو الماضي، للقاء والتداول بشأن القضايا العالقة، والبحث عن حلول لها تلغي التوتر والتباين الحاد في وجهات النظر. ومن الجدير بالذكر ان اللقاء الذي تم في بداية هذا الاسبوع لم يقتصر على الرؤساء الثلاثة السادة جلال الطالباني ونوري المالكي ومسعود البارزاني، بل ساهم فيه ، كما ابرزته وسائل الاعلام ، عدد ليس بالقليل من الشخصيات النافذة في الاقليم وفي الحكومة الاتحادية والبرلمان. وجرى في اجواء ودية . ولم يكن من المتوقع ان يسفر عن حل فوري للقضايا موضع الخلاف ، في لقاء واحد ، حتى لو انه استغرق اربع ساعات ، كما ورد في وسائل الاعلام. والامر الايجابي في هذا اللقاء هو انه اسفر عن تفاهم ودي ، وتعهد بالسعي لايجاد الحلول للقضايا العالقة ، استناداً الى ما نص عليه الدستور ، كما اكد ذلك السيد رئيس الوزراء ، الذي اعرب عن ارتياحه لنتائج اللقاء وتمسكه بالمادة الدستورية المرقمة140 باعتبارها مادة واجبة التطبيق. وجرى الاعلان عن ان المساعي ستتواصل بين بغداد واربيل ، إذ تقرر ان يزور بغداد وفد يمثل حكومة الاقليم الجديدة التي سيتولى رئاستها السيد برهم صالح نائب رئيس الوزاء العراقي حتى الآن. وهكذا يثبت من جديد ان الطريق الوحيد الصالح لحل التباينات والخلافات بين الاطراف المنخرطة في العملية السياسية الهادفة الى استكمال بناء النظام الديمقراطي الاتحادي التعددي للعراق الجديد الموحد المستقل ، هو طريق الحوار والتفاهم وتبادل التنازلات التي تتطلبها المصلحة الوطنية العليا للعراق ، وانهاء الوجود الاجنبي على ارض الوطن ، وتأمين الامن والاستقرار ، والقضاء على الارهاب والتخريب وتخليص الشعب من الفساد بكل اشكاله، والانصراف الى الاعمار الذي ينتظره الشعب بفارغ الصبر. وستواصل قوى الشعب الحية الحريصة على المصالح العليا للشعب والوطن نضالها من اجل تحقيق ما يطمح اليه الشعب.
صحيفة الايام
5 اغسطس 2009