المنشور

صعود محمود أحمدي نجاد

بينت الدراما الثورية الإيرانية ان الرأسمالية الحكومية لم تستطع أن تسيطر على الشعب وتمنعهُ من الحراكِ رغم سيطرتها على الاقتصاد والقوى المسلحة.
لكن لا يعني ذلك أن القوى المناضلة هي قوية بشكل كبير، فهي إذ تشقُ طريقـَها من خلال أفكار النظام، وهي الموروث الإسلامي المتداخل بين المحافظة والثورة، غدت أقل قدرة على حسم الموقف رغم صراعات الهيئة الحاكمة.
هذا يشير إلى أن أيديولوجية النظام لم تعدْ قادرةً على ربط الجمهور المثقف الليبرالي بتحكمها، في حين تبقى جماهير القوى العاملة خارج الجانبين المتصارعين.
تلعب الجماهير القروية دورها في الإبقاء على النظام العسكري الشمولي، وهي لحظة مشابهة لما لاحظه كارل ماركس على نظام لويس بونابرت العسكري بعد انقلابه في الخمسينيات من القرن الـ 19، فيما يُسمى الجمهورية الفرنسية الثالثة، في كتابه(18برومير).
لقد صعّدتْ قوى الفلاحين المحافظة رجالَ الدين وقوى العسكر، ولاتزالُ النخبُ الليبرالية المدنية محدودة فكراً وسياسة.
في موقع الطبقة الحاكمة الإيرانية فإن صعود القوى العسكرية يبدو واضحاً، ويتمثل في صعود (الرئيس) محمود أحمدي نجاد، فتظهر هنا المبادرات الفردية والمصادفات والقانون، فنجاد ابن الفقراء الريفيين، العصامي، القادم من هذه البيئة الريفية المحافظة شق طريقه للتعلم، وهو أمرٌ يوضحُ أهمية التغييرات الثورية في إيران خلال العقود الماضية، وكيف يتمكن رجلٌ من ابناء الشعب من الارتفاع إلى سدة الحكم، وقد عرفَ هذا البرجوازي الصغير كيف يفهمُ الوضعَ السياسي السائد وكيف يستغله لكي يصعد، لقد قرأ السهم الصاعد وتعلق به، لكن المصادفات قادته أكثر للالتحاق بالجبهة العسكرية المشتعلة ضد العدوان الصدامي حينذاك، وهذا الظرف المهم جعله ذا صداقات مع ضباط كثيرين، وهم قادوه بدورهم للرئيس خامئني، رئيس الجمهورية وقتذاك.
كان موسوي مسئولا عن القطاع العام وبنائه وخاصة قسمه العسكري، نظراً لظروف الحرب، فكان مرضياً عنه، إلى حين، فيما كانت أولويات الحكم تتغير، ويرتفع الجناح العسكري ومؤسساته، ويبحثُ عن شخصية تتوافق مع صعوده، رغم انطفاء الحرب، فصار يبحث عن حجج لبقائه في مواجهات مفتعلة.
وكان إبعاد الجيش الإيراني النظامي قد جرى منذ زمن طويل فقد كان الخوف من الانقلاب يساور القوى الدينية والمدنية على السواء، فظهر الحرسُ الثوري كقوى شبه عسكرية مسيطر عليها كليا من قبل رجال الدين.
وصعّدت هذه القوى المرشد الحالي للجمهورية فصعد هو بدوره مرشحها ابنها البار أثناء جبهات الحرب مع العراق.
لقد أوجدت هذه القوى العسكرية حلقة مغلقة حول المرشد، وهناك تلميح بإمكانية وراثة ابنه لمهامه عبر هذا الدعم العسكري، وربما يغدو ذلك سببا رئيسيا لهذه الحماسة للمرشد تجاه نجاد.
بدأت صداقة محمود أحمدي نجاد للمرشد منذ أن عادَ من الجبهة وغدا ضيفاً دائماً على مجلس الرئيس الإيراني وقتذاك، وتحول إلى أن يكون هو جزء من هذا المجلس، الذي يهتم بالضيوف ويغني الأناشيد الدينية ويشارك في المناقشات الأدبية في المجلس، حيث لم يكن منصب رئيس الجمهورية بتلك الدرجة الكبيرة من الروح المحافظة.
لقد صار نجاد هو الابن المدني للمرشد، فيما واصل ابنه الحقيقي دوره كمهيمن على خيوط السلطة بين العسكريين والمدنيين وتصعيد نجاد كواجهة للسلطة الروحية.
لكن طموح نجاد لم يتوقف عند هذا.
لقد بهرته الطريقة السهلة في الصعود وعبر هذا الاستغلال لأمراض النظام، ولم يكن العسكر من جماعة الحرس قادرين على صياغة ايديولوجيا “شعبوية” حماسية، فتكفل صاحب شهادة الدكتوراه بإيجادها عبر جمل ملتهبة، وطنانات ثورية، فبرّر للحرس وجوده الزائد على الحاجة وقد انتهى زمنه، فيما صعّد الحرسُ نجاد وهو غير قادر على فهم مطالب الدولة في مرحلة جديدة من التطور المدني العميق المفترض، فالشعب يحتاج إلى رئيس مدني خاصة، يوجه الميزانية نحو تطور حاجات الشعب وتنمية صناعاته بعد الحرب والعقوبات.
ثلاثة وجوه متحدة: العسكر السياسي الذي انتهى دوره الحربي “الشعبوي”، ونجاد الذي قفز على سلم العلاقات الشخصية لمنصب حساس، والمرشد الذي بات دوره مشكوكاً في موضوعيته من قبل العديد من المراجع الدينية.
أي أن ثمة تصحيحاً بات ضروريا تجاه هذه الوجوه الثلاثة لتطور نظام الجمهورية واستقراره، بدلاً من اللجوء إلى الثورة الدامية، لكن الثورة المخملية رُفضت، وإن كانت انعكاساتها تتواصل جاذبة دوائر جديدة من رجال الدين.
أو أن يحدث تصحيح من قبل المرشد لعلاقته الوطيدة غير الاستراتيجية الوطنية تجاه الحرس ونجاد.
ولكن كما يبدو فإن صعود القوى العسكرية والمخابراتية بات هو السهم الأكبر في السياسة الإيرانية، وهذا يعتمد على تطور الشركات الاقتصادية والحربية التي أقامها ضباط الحرس، وهل سوف تصطدم بالنظام الديني وتجد أن تتجاوز هذا النظام؟
إن ظهور رئيس جديد من بين العسكر يغير النظام وينقله لنظام نصف ليبرالي – نصف رأسمالي، على طريقة معظم الدول العربية الإسلامية، بات مطروحاً أكثر فأكثرمع تمزق القوى الدينية نفسها وعدم وجود تصلب قيادي فيها.
وقد حاول نجاد أن يرتفع إلى ذلك ويغازل الغرب عبر تعيين نسيبه نائباً له، لكن يبدو ان ورقته قد احترقت.

صحيفة اخبار الخليج
2 اغسطس 2009