بعد توقيع الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي الشهر الماضي على مذكرة التفاهم المشتركة مع نظيرتها في دول مجموعة «آسيان»، يمكن القول إن العلاقات الثنائية بين دول المجموعتين قد دخلت عمليا إلى مجالات واعدة من التعاون المشترك بين التكتلين على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية. مصدر غبطتنا بتوقيع المذكرة مرده أن دول التعاون التي فرضت نفسها خلال السنوات العشر الأخيرة كلاعب رئيس على المستوى الإقليمي، استطاعت أن توظف علاقاتها الدولية بشكل أفضل بالنسبة لمسألة التعاون الاقتصادي مع مختلف التكتلات السياسية والاقتصادية، مقلصة بذلك النظرة السلبية التي ظلت ملازمة لطبيعة مجلس التعاون ذاته منذ نشأته الأولى. فدول مجلس التعاون التي دخلت في مفاوضات طويلة وعقيمة مع دول الاتحاد الأوروبي طيلة ما يزيد على ثمانية عشر عاما، دون الوصول إلى نتائج محددة، وهي التي استهلكت الكثير من الوقت والجهود في سبيل توقيع اتفاقية للتجارة الحرة معها، ووجدت نفسها تخرج من مؤتمر وتدخل إلى آخر، فيما كان الجانب الأوروبي متمنعا ومتعاليا، ويطالب بمزيد من الشروط، التي ربما كانت معيقة بالنسبة لبعض دول المجلس، خاصة تلك التي ارتبطت بحقوق الإنسان، وبعض الرسوم الجمركية التي كانت محل خلاف أفضى إلى أن تطالب دول المجلس بوقف المفاوضات في نهاية الأمر. دول التعاون وبعد المطالبات المستمرة لها بتحويل دفة حراكها وجهودها نحو مجموعة دول «آسيان»، ربما وجدت نفسها الآن أنها كانت على الطريق الخطأ إبّان تجربتها مع الاوروبيين، فدول مجموعة «آسيان» بما تمتلكه من إمكانيات ضخمة حيال التعاون الاقتصادي المشترك، باستطاعتها أن تكون سوقا واسعا ومزدهرا أمام السلع والبضائع الخليجية، وبما يفوق ما كان يمكن أن تقدمه دول المجموعة الأوروبية، وبشروط اقل بكثير عما كان يطالب به الأوروبيون منذ العام 1988 حتى وقف عملية التفاوض. فبالإضافة إلى العلاقات التاريخية بين دولنا ودول “آسيان” وما يربطنا من علاقات تجارية وثقافية تمتد لأكثر من ألف عام، هناك الروابط المشتركة كالتاريخ والجغرافيا والهوية الأسيوية الجامعة، كما تخبرنا البيانات الرسمية المتاحة أن حجم التبادل التجاري بين المجموعتين قد بلغ العام الماضي أكثر من 98 مليار دولار في مقابل أكثر من 17 مليار دولار في العام1999 ، وبلغ حجم الصادرات الخليجية لدول «آسيان» العام الماضي أكثر من 75 مليار دولار بعد أن كانت في حدود 12 مليارا منذ عشر سنوات، كذلك زاد حجم الواردات الخليجية ليصل إلى أكثر من 23 مليار دولار بعد أن كان في حدود 5 مليارات فقط منذ عشر سنوات، وفي حين بلغ مجموع عدد سكان دول «آسيان» أكثر من 500 مليون نسمة، وناتجها المحلي الإجمالي أكثر من 570 مليار دولار سنويا، فان ذلك يعني الكثير مما يمكن لدول التعاون أن تراهن عليه في الفترة القادمة غير آسفة بالمرة على ما آلت إليه المفاوضات المتوقفة مع دولا الاتحاد الأوروبي. شيء آخر يفترض أن تكون دول التعاون قد تعلمته من تجربتها تلك ، وهو أن خيارات التعاون والتنمية يجب أن لا تربط مهما كانت الأسباب بجهة أو توجه دون آخر، بل يجب أن تبنى على أسس ومصالح إستراتيجية أكثر بعدا وتنوعا من مجرد العلاقات السياسية التقليدية، فلو تم استثمار الوقت جيدا طيلة الثمانية عشر عاما من المحادثات بيننا وبين الاتحاد الأوروبي،لأصبح ممكنا القول أن حجم علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري والصناعي مع دول «آسيان»، كان قد بلغ أرقاما فلكية كانت ستفوق ما ذكرناه هنا من أرقام بكل تأكيد، وذلك بالنظر إلى ما مثلته تجربة تلك المجموعة الاقتصادية بنمورها من نجاحات لا زال العالم ينظر لها بمزيد من الاحترام والدراسة حتى الآن. نتفاءل خيرا بحماسة وزير خارجيتنا الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، الذي دعا إلى اجتماع مشترك نهاية شهر يونيو الماضي هنا في البحرين والذي حضره وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزراء خارجية مجموعة دول «آسيان»، وكان من بين نتائجه التأسيس لحقبة جديدة من التعاون والبدء في مفاوضات نرجو أن تأخذ زخما أكبر، وصولا لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة المنتظرة بين دول المجموعتين دون إبطاء، خاصة وأن الطريق أصبح معبدا بالأمنيات والمشاريع المشتركة بينهما.
صحيفة الايام
2 اغسطس 2009