المنشور

ليبـــــرمـــــان ليــــــــس الاستثنـــــــــــاء

كتب محررا مجلة‮ ‘‬تايم‮’ ‬الأمريكية رومش راتنسار وتيم مكريغ‮ ‬من القدس مقالاً‮ ‬في‮ ‬عدد المجلة الصادر في‮ ‬الثالث عشر من‮ ‬يوليو الجاري،‮ ‬حول افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي،‮ ‬تناولا فيه شخصية هذا اليهودي‮ ‬المولدافي‮ (‬مالدافيا كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي‮) ‬الذي‮ ‬هاجر مع عائلته من مالدافيا إلى إسرائيل في‮ ‬عام‮ ‬‭,‬1978‮ ‬وهو الحلم الذي‮ ‬ظل‮ ‬يراوده دائماً،‮ ‬بحسب قوله،‮ ‬حيث عمل حارساً‮ ‬ليلياً‮ ‬في‮ ‬أحد الأندية الليلية وسجل في‮ ‬الجامعة العبرية‮.‬ ومنذ اللحظة الأولى التي‮ ‬وطأت فيها قدماه الأراضي‮ ‬الفلسطينية المحتلة دأب وثابر على إظهار حماسه وولائه للصهيونية ولكيانها المغتصب،‮ ‬حيث انخرط في‮ ‬أنشطة اليمين الإسرائيلي‮ ‬المتطرف حتى أصبح أحد‮ ‘‬قبضايات‮’ ‬حزب الليكود النشطين في‮ ‬أوساط المستوطنين،‮ ‬وعزز ذلك بقرار انتقاله هو وزوجته في‮ ‬أواخر الثمانينيات إلى إحدى مستوطنات الضفة الغربية للإقامة هناك وتعزيز حركة الاستيطان وموقع المستوطنين،‮ ‬حيث لازال‮ ‬يقيم هناك ويتوجه إليها عندما‮ ‬يحل الظلام في‮ ‬عربة مصفحة خشية تعرضه لهجمات السكان العرب المقيمين في‮ ‬الجوار‮.‬ في‮ ‬تلك الفترة التقى نتنياهو الذي‮ ‬أُعجب به وصعَّده في‮ ‬مراتب الحزب العليا ليصبح أحد نجوم الليكود اللامعة ورئيس أول حملة انتخابية لبنيامين نتنياهو للفوز برئاسة الحكومة الإسرائيلية،‮ ‬وكان ذلك في‮ ‬العام‮ ‬‭.‬1996‮ ‬وفي‮ ‬نفس العام الذي‮ ‬انهارت فيه حكومة نتنياهو‮ (‬1999‮) ‬انشق ليبرمان عن حزب الليكود ليؤسس حزب‮ ‘‬إسرائيل بيتنا‮’ (!) ‬الأكثر‮ ‬يمينية وعنصرية من حزب الليكود،‮ ‬مستغلاً‮ ‬في‮ ‬ذلك أصوات المهاجرين الروس سواء الذين‮ ‬يقيمون في‮ ‬المستوطنات أو المدن الإسرائيلية‮.‬ ومن‮ ‬يومها وهو‮ ‬يزايد بعنصريته وتطرفه اليميني‮ ‬على أعتى القيادات السياسية العنصرية واليمينية الإسرائيلية‮. ‬فذهب لحد التهديد بتدمير السد العالي‮ ‬وإغراق مصر والتهجم بوقاحة على الرئيس حسني‮ ‬مبارك معبراً‮ ‬في‮ ‬إحدى تجليات نزقه وصفاقته عن‮ ‬غضبه من عدم قيام الرئيس المصري‮ ‬بزيارة إسرائيل‮.‬ وقد كان من الطبيعي‮ ‬توقع صدور مواقف مشابهة من شخص مرتزق‮ ‬يحاول أن‮ ‬يقلد بوضاعة وانحطاط زعماء البيض العنصريين الذين استعمروا القارة السمراء في‮ ‬القرنين التاسع عشر والعشرين ومارسوا سياسة الابارتيد ضد سكانها الأصليين على النحو الذي‮ ‬مارسه الرجل الأبيض ضد السكان الأصليين لأمريكا الشمالية والتي‮ ‬تذهب بعض المصادر التاريخية الأمريكية إلى أنه أباد خلالها‮ ‬60‮ ‬مليوناً‮ ‬من أولئك السكان‮ (‬الهنود الحمر‮).‬ فهو،‮ ‬أي‮ ‬ليبرمان،‮ ‬نادى بتطبيق سياسة الترانسفير ضد العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر‮ (‬عرب‮ ‬1948‮) ‬ما لم‮ ‬يقسموا ويثبتوا الولاء للدولة العبرية،‮ ‬كما طالب باتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل إسرائيل دولة‮ ‬يهودية خالصة أي‮ ‬أن تؤول فلسطين المحتلة عام‮ ‬1948‮ ‬لليهود حصراً‮ ‬فيما‮ ‬يصبح الفلسطينيون كما سكان جنوب أفريقيا الأصليين من السود،‮ ‬قاطنين لهم حقوق العمال الوافدين الأُجراء‮!‬ على أية حال،‮ ‬إن هذا‮ ‘‬الليبرمان‮’ ‬الذي‮ ‬يرطن الإنجليزية بكلنة قبيحة ويجوب أوروبا وأمريكا اللاتينية ويستقبله قادة أوروبا‮ (‬بحفاوة أو على مضض،‮ ‬لا فرق‮)‬،‮ ‬في‮ ‬وضع محرج ومخزي‮ ‬للكلاسيكيات الأوروبية المعتدة بتراثها وتقاليدها الديمقراطية والحقوقية الإنسانية‮ ‬‭-‬‮ ‬نقول إن هذا الـ‮’‬ليبرمان‮’‬،‮ ‬ليس‮ ‘‬الأبارتيدي‮’ (‬التطهيري‮ ‬العرقي‮) ‬الوحيد في‮ ‬الحكومة الإسرائيلية الحالية‮. ‬نعم هو الأكثر تعبيراً‮ ‬وفضحاً‮ ‬للطبيعة الاستعمارية البلطجية الإسرائيلية‮ (‬برسم سجله القذر الذي‮ ‬كشفت عنه الشرطة الإسرائيلية نفسها التي‮ ‬تحقق في‮ ‬جرائم النصب والاحتيال وغسيل الأموال التي‮ ‬ارتكبها مستخدماً‮ ‬أسماء شركات وهمية‮)‬،‮ ‬ولكنه ليس استثناءً‮. ‬فهناك نتنياهو الذي‮ ‬وضع مع حلفائه المتطرفين فكرة‮ ‬يهودية الدولة الإسرائيلية موضع التنفيذ بتقديم قانون بهذا الشأن للكنيست والتصويت عليه‮.‬ وهناك وزير التعليم جدعون سار الذي‮ ‬أمر بحذف كلمة‮ ‘‬النكبة‮’ ‬من الكتب الدراسية في‮ ‬المدارس العربية في‮ ‬إسرائيل،‮ ‬بما‮ ‬يعني‮ ‬محاولة محو جريمة تشريد شعب بأكمله واغتصاب أرضه لإنشاء وطن للمستعمرين عليها،‮ ‬من ذاكرة هذا الشعب‮!‬ وهناك أعضاء الائتلاف الحكومي‮ ‬من الأحزاب الدينية المتطرفة والمغرقة في‮ ‬عنصريتها وإقصائيتها‮.‬ وهناك القطاع الأوسع من الإسرائيليين الذين‮ ‬يصوتون في‮ ‬استطلاعات الرأي‮ ‬لصالح تفريغ‮ ‬الأراضي‮ ‬الفلسطينية المحتلة من سكانها الأصليين‮ (‬الفلسطينيين‮) ‬وقصر العيش فيها على السكان اليهود أو إقامة العوازل والفواصل بين اليهود والفلسطينيين تعبيراً‮ ‬عن عدم رغبة اليهود في‮ ‬التعايش مع الفلسطينيين،‮ (‬والغريب أن ساستهم‮ ‘‬مستذبحون‮’ ‬من أجل تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية وإقامة علاقات اقتصادية ثنائية ومتعددة الأطراف معها‮)!‬ إسرائيل على أية حال،‮ ‬لم تأت بجديد عندما ألقت في‮ ‬وجه العالم بليبرمان،‮ ‬فارضةً‮ ‬إياه وزيراً‮ ‬لخارجيتها‮ ‬يحتفى به ويستقبل كأي‮ ‬وزير خارجية لدولة سوية صحيحة المنشأ والتكوين والهوية‮. ‬فقد قدمت قبله شارون‮ (‬كدت أقول نيرون‮) ‬وشامير وبيجن وأشباههم‮.‬ وإسرائيل لم تأت بجديد حين تعلن سفور مذهبها الإقصائي‮ ‬على رؤوس الأشهاد،‮ ‬فهذا هو ديدنها منذ التأسيس وهذه هي‮ ‬ايديولوجيتها‮. ‬إنما الجديد المخزي‮ ‬هو أن أوروبا‮ ‘‬المتحضرة‮’ ‬التي‮ ‬أقام ساستها الفاسدون الدنيا ولم‮ ‬يقعدوها لمجرد أن زعيم الحزب اليميني‮ ‬في‮ ‬النمسا‮ (‬هايدر‮) ‬المناهض للصهيونية التلفيقية والتوسعية الإجرامية،‮ ‬فاز في‮ ‬الانتخابات وأصبح مستشاراً‮ ‬للنمسا‮. ‬ولم‮ ‬يهدأ لهم بال إلا بعدما تمكنوا من إجبار الرجل على الرحيل عن وزارته قبل رحيله النهائي‮ ‬عن الدنيا في‮ ‬حادث سيارة مؤخراً‮ ‬‭-‬‮ ‬هذه الأوروبا هي‮ ‬نفسها التي‮ ‬فتحت ذراعيها لليبرمان،‮ ‬وهي‮ ‬نفسها التي‮ ‬ركعت لضغوط الصهاينة وألغت قوانينها التي‮ ‬تجيز محاكمة من ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خارج أراضيها‮ (‬إسبانيا مؤخراً‮ ‬والنرويج قبلها‮)!‬ أما الطامة الكبرى فهي‮ ‬عندما نصحوا ذات‮ ‬يوم على خبر استقبال هذا المرتزق في‮ ‬إحدى العواصم العربية‮!‬
 
صحيفة الوطن
1 اغسطس 2009