على الرغم من بدء العد التنازلي للانتخابات النيابية حيث لم يتبق عن موعد استحقاقها سوى عام واحد تقريباً فإن استعدادات وتحضيرات القوى السياسية لخوض معركتها مازالت متفاوتة المستوى فيما بينها، وعلى الأخص قوى المعارضة التي تعمل تحت مظلة الشرعية الدستورية القائمة، سواء تلك التي لها تمثيل داخل مجلس النواب الحالي أم التي فشلت في الفوز بأي كرسي في انتخاباته السابقة.
ومع ان تحضيرات قوى المعارضة لخوض المعركة الانتخابية مازالت تسير سيرا سلحفاتيا، إلا انه يمكن القول بوجه عام إن الاستعدادات والتحضيرات التي تقوم بها قوى المعارضة الإسلامية، وعلى الأخص جمعية الوفاق، هي أفضل وأنشط فاعلية من قوى المعارضة الوطنية والليبرالية، وعلى وجه الخصوص ذات الوزن أو النفوذ الفاعل على الساحة السياسية، كجمعيتي “وعد” و”المنبر التقدمي”.
فباستثناء بعض التصريحات المبدئية والخطوات الأولية المحدودة كالتي اتخذتها الأخيرة فإن هاتين الجمعيتين لم تنخرطا بعد انخراطا جديا فاعلا ملموسا في التحضيرات، سواء على الصعيد الفردي الذاتي الحزبي أم على الصعيد الثنائي. بمعنى أنه لا يلوح في الأفق حتى الآن ما يشير الى وجود خطط أو سياسات استراتيجية واضحة المعالم لكيفية خوض المعركة الانتخابية المقبلة الفائقة الأهمية سياسيا من قبل كلتا الجمعيتين المشار إليهما، لا على صعيد التنسيق الثنائي فيما بينهما ولا على الصعيد الذاتي الفردي.
وغني عن القول ان التنسيق الثنائي حول خطط وتصورات خوض المعركة لن يبدأ ويكون على أسس صلبة سليمة من دون ان يسبقه وضع السياسات واقتراحات الخطط على الصعيد الذاتي. وهذا التنسيق لن يكون له معنى ما لم يكن له معاً، كتحالف مشترك، كلمة الفصل في كيفية التنسيق والتحالف مع القوى السياسية المعارضة من خارج التيار، وعلى وجه الخصوص مع التيار الإسلامي المعارض ممثلا في جمعيتي “الوفاق” و”أمل”. ذلك بأن أي تنسيق مواز ينفرد به أحد الطرفين الرئيسيين في التيار الوطني الديمقراطي الا هما “وعد” و”المنبر”، من دون التشاور والتفاهم مع الطرف الآخر في هذا الائتلاف الوطني المنتظر، من شأنه ليس فقط ألا يساعد على ردم الهوة التاريخية فيما بينهما، بل ان يتسبب في تعميقها وتوسيع الشرخ فيما بينهما وينسف أي مساع خيرة صادقة لنزول التيار الديمقراطي موحداً بقائمة ائتلافية مشتركة في إطار تصور مشترك أو خطة مشتركة لخوض المعركة الانتخابية المقبلة.
وإذا كان يمكن فهم أن يتأنى التيار الإسلامي حتى الآن في مباشرة استعداداته وتحضيراته الكبيرة للمعركة الانتخابية واكتفائه بخطوات وإجراءات أولية، وبصرف النظر أيضاً عن مدى صحة تقديراته في هذا الوقت أو هذه المرحلة بعدم توسيع وتعميق تلك التحضيرات وذلك استنادا لثقته الكبيرة في وزنه الجماهيري والشعبي، أيا تكن نسبة ما لحق بهذا الرصيد من تآكل بسبب أدائه السيئ فإنه يبقى على أي حال “خسارة نسبية” وذلك لمراهنة هذا التيار الكبير، وعلى وجه التحديد “الوفاق”، على اتساع شعبية مرجعيته الدينية ووضعه كامل بيضه في سلتها نظراً لصوتها المسموع لدى أوسع فئات الناس الشعبية العادية، ذات الوعي الديني والسياسي البسيط، داخل الطائفة الشيعية، حيث يمكن تعبئة هؤلاء الناس بسهولة فائقة عبر دغدغة عواطفهم الدينية الجياشة بشعارات صادرة أو صكوك مزكية من قبل مشايخ تلك المرجعية الكبار.. فإن ما لا يمكن فهمه البتة ان يسير التيار الليبرالي والوطني هو الآخر، الهوينى في تحضيراته أي بنفس رتابة وبطء استعدادات التيار الإسلامي المعارض. هذا على الرغم من ان هذا التيار الأخير كما ذكرنا حتى مع بطئه هو الأفضل والأكثر فاعلية في مباشرة التحضيرات للمعركة الانتخابية.
إن الوقت ليس مبكرا، بل كالسيف يمضي سريعا، وكل يوم يمضي من دون مباشرة التيار الوطني والليبرالي خطوات حثيثة فاعلة في التحضير للمعركة المقبلة ليس في صالح هذا التيار، بل يضيف عبئاً ثقيلاً على تحضيراته وذلك حينما يباشر بعدئذ تحضيرته في الوقت الضائع عندما يأزف وقت الشوط الأخير من المعركة الانتخابية أي قبيل شهور أو أسابيع معدودة من موعد الانتخابات النيابية، ذلك بأن التيار الديمقراطي الذي حالفه البخت بالفوز بثلاثة كراسي في انتخابات 2002م بفضل مقاطعة الوفاق، والذي خسر بأكمله بعدئذ انتخابات 2006م بسبب مشاركة الوفاق ذاتها واستحواذها على كل كراسي دوائر معاقل المعارضة هو في أمس الحاجة الآن الى تقوية نفوذه في الأوساط الشعبية بأكبر قدر ممكن.
كما أنه مهيأ من الآن تماماً لطرح دعاية سياسية انتخابية ذكية وجاذبة في الأوساط الشعبية والسياسية تتضمن شعارات برنامجه المستند إلى مصالح الناس الآنية المعيشية والحقوقية والموحد لفئات الشعب كبديل عن البرنامج المخاتل للتيارات الإسلامية الذي يقوم أساسا على التعبئة والفرز الطائفيين.
ان التنسيق بين قوى وأطراف التيار الوطني والليبرالي العريض، من قوى وجمعيات ورموز مستقلة، بات ضرورة ملحة، بما في ذلك وضع قائمة أولية للأسماء المؤهلة للفوز والمزمع دفعها إلى الترشح للانتخابات القادمة وكذلك وضع تصور أولي مبدئي لشعارات الدعاية الانتخابية البسيطة القادرة على مخاطبة وجدان كل الناس والأكثر نجاعة، والسبل والأساليب الأخرى كافة لاستقطاب الناخبين وتعبئتهم خلف أسماء ووجوه هذا التيار وخلف برامجهم الانتخابية.
وصفوة القول ان الوقت لا يمهل المتمهلين، بل يمضي حثيثاً، فلئن كان يفترض ان مثل هذا التنسيق قد بدأ أصلا فور انتهاء الانتخابات الماضية، فمن المفترض ومن باب أولى انه تمت مباشرة هذه التحضيرات لهذه المعركة ولو بأسلوب مرحلي على الأقل تبعا لكل مرحلة من مراحل العد التنازلي لمعركة الشهور أو الأسابيع الأخيرة الحامية الوطيس قبيل موعد الانتخابات.
صحيفة اخبار الخليج
27 يوليو 2009