ارجو الا يسبب الكلام في شأن موضوع الحكم الصالح والمؤشرات التي اصدرها مؤخراً البنك الدولي، اي نوع من الحساسية خاصة لدى الذين الفناهم شديدي الحساسية حيال كل شيء.. وأي شيء.. ونعلم جيداً ان مفهوم الحكم الصالح في عموم المنطقة العربية لم يتبلور بعد، أو انه لايزال غائباً، أو انه في مراحله الاولى، او انه مفهوم لا تستسيغه الحكومات، كما لا يستسيغه ولا يتقبله ولا يهضمه مسؤولون كثر في المنطقة الذين من فرط حساسيتهم من مفهوم الحكم الصالح استبدلوه بمصطلح بات يعرف الآن بحكم الادارة الرشيدة. ما يهمنا ليس هذا المصطلح او ذلك الذي في الحالتين يعني بايجاز الحكم الذي يوفر النزاهة والمساءلة بواسطة الناس ويضمن احترام المصلحة العامة ويعزز ويدعم رفاهية الانسان ويقوم على توسيع قدرات المواطنين وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم. وكل ما يتيح لنا ان نحلم بمستقبل افضل، مع مراعاة أنه كمفهوم هو اوسع من الحكومة لأنه يتضمن بالاضافة الى عمل اجهزة الدولة الرسمية من سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية وإدارات عامة، عمل كل المؤسسات غير الرسمية ومنظمات المجتمع المدني بالاضافة الى القطاع الخاص. ما يهمنا حقاً هو الجانب المتصل بالبحرين فهو مقارنة بمؤشرات عام 2008 بالعام 2007 نجد بأن البحرين قد تقدمت في مؤشرين هما (الاستقرار السياسي وفاعلية الحكومة) فيما تراجعت في ثلاث مؤشرات هي التمثيل السياسي والمساءلة وجودة الاجراءات ومكافحة الفساد. ما يهمنا ثانياً هو كيف سنتعامل مع هذه المؤشرات والخلاصات ونحن الذين تعودنا ان نحتفي ونهلل بكل ما يصدر عن اي هيئة او منظمة او مؤسسة دولية، فما بالكم وان هذه المؤشرات صادرة عن البنك الدولي. نعلم بأن على البنك الدولي مؤاخذات عدة من حيث المنطلقات السياسية التي تحكم عمله، والاعتبارات التي تطغى على بعض تقاريره، وليس غائباً عن البال ذلك اللغط والجدل والانتقادات التي وجهت اليه ومنها تلك التي تتهمه بالفساد السياسي والمالي واستمراره في تمويل اصلاحات تنتهي بالفشل الى جانب تلك المشاكل الخطيرة من الفساد التي عانت منها قبل سنوات إدارة المؤسسة الدولية. ولكن رغم كل ما قد يثار من مؤاخذات عن تلك المؤسسة، الا ان امامنا رؤية اقتصادية للبحرين تضع الشفافية وتتبنى مبادىء الحكم الصالح او الادارة الرشيدة، وهي رؤية باتت وزارات ومؤسسات الدولة تتسابق بالاعلان عن بحث آليات تفعيل دورها حيال تطبيق هذه الرؤية والالتزام بمبادئها. حسناً مادام الأمر كذلك ومادامت الجهات الرسمية كافة توحي لنا بأنها بدأت اهتماماً بالعمل على الالتزام بتلك الرؤية فعلى هذه الجهات اذا كانت جادة حقاً ان تعي بأن المطلوب لتعزيز وضع البحرين سواء في مؤشر الحكم الصالح، او مؤشر مدركات الفساد وبقية المؤشرات والتقارير الدولية الاخرى بأن تعمل على تحقيق متطلبات كثيرة مثل ايجاد آليات سليمة لتحقيق مبادىء الحكم الصالح، وتعزيز العلاقة بين المواطن والدولة عبر توسيع المشاركة في اتخاذ القرار وخاصة من خلال قوانين انتخابية ديمقراطية عادلة ونزيهة ينتخب من خلالها الشعب نواباً قادرين على تفعيل دورهم الرقابي الى جانب التشريعي، علاوة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني وعدم محاولة الهيمنة عليها والتدخل في شؤونها، وكذلك العمل على ايجاد المعايير في اختيار القيادات استناداً على معايير الكفاءة. كما لا يغيب عن البال الحاجة الى وقف تداخل المصالح الخاصة مع المصلحة العامة ووقف تغلغل اصحاب النفوذ في توجيه الموارد العامة للدولة واستغلالها لمصالح خاصة، والحيلولة دون شخصنة العمل العام والمسؤولية العامة، والمسارعة في ايجاد المؤسسات الرقابية الرسمية والاهلية. كل ذلك واكثر مطلوب ومحكوم علينا ان ننجح في تبنيها ليس ارضاءً للبنك الدولي، بقدر ما هو ارضاء للمواطن واستجابة لمصلحة الوطن العليا لأن كل تحسين محتمل في اي من تلك المبادىء أو المؤشرات لا يمكن الا ان ينعكس ايجاباً على الوضع المحلي برمته. وندعو كل من يخشى ويتحسس بأن يمعن في قراءة المستجدات قراءة صحيحة وفك رموزها لعل هذا من اولى واجباتهم ودافعاً لتجاوز الشطط ولاحاجة الى الاستزادة والاستفاضة…!!
صحيفة الايام
25 يوليو 2009