الانقطاعات الكهربائية مستمرة.. ويوم الاثنين الاسود، الذي انقطعت فيه الكهرباء عن جميع مناطق مملكة البحرين يتكرر هذا الصيف في مختلف مناطق مملكة البحرين.
ولعل من العجب العجاب، ان يسمع المواطنون والمقيمون كلاما جميلا مطمئنا، من قبل مسئولي هيئة الكهرباء قائلين دائما وأبدا “لا قطع مبرمجا أو عشوائيا للتيار الكهربائي هذا الصيف.. وان الوزارة قد استعدت لتحمل مسئوليات النقل والتوزيع للطاقة الكهربائية هذا العام، وأجرت الصيانة والاصلاحات وسعت الى تقوية الشبكات والتوزيعات”.. ولكن هذا الكلام النظري المعسول ما لبثت حقائقه وتداعياته ان تتلاشى أمام المواطنين والمقيمين بكل جلاء، بسبب عدم انسجام الاقوال مع الافعال.. وهذا ما ينطبق عليه المثل الشهير القائل “اسمع كلامك يعجبني واشوف افعالك اتعجب”.. ولعل الادهى من ذلك كله انه كلما ازدادت التصريحات الرسمية ازاء عدم الانقطاعات الكهربائية، ازدادت ظروف المواطنين والمقيمين سوءا.. وكلما كثرت الاقوال والشعارات الادارية بطمأنة الاسر البحرينية والمقيمة بهذا الشأن، فإن افرادها واطفالها ومسنيها يزدادون احتراقا وشيا.
إذاً، فبقدر ما جاءت رحلة العذاب من الانقطاعات الكهربائية هذا الصيف اسوأ من مثيلتها في العام الماضي.. فان يوم الاثنين الاسود تكررت احداثه المؤلمة لاسر مجمع (203) طريق (377) بالمحرق، الذي انقطع فيه التيار الكهربائي في يوم الاربعاء تاريخ 1 يوليو 2009 ابتداء من الساعة الواحدة ظهرا حتى الساعة الحادية عشره ليلا أي مدة عشر ساعات بالتمام والكمال.. وقبلها بثلاثة أيام، أي في يوم السبت الموافق 27 يونيو انقطعت الكهرباء عن المجمع نفسه (مجمع 203) من الساعة العاشرة ليلا حتى الساعة الثانية ما بعد منتصف الليل.
إن هذه الانقطاعات الكهربائية المتواصلة، قد نطقت بالحقائق المرة لتمتد رحلتها المؤلمة فتشمل البلاد القديم مجمع (651) الذي انقطعت عنه الكهرباء في يوم 19 مايو الماضي مدة اربع ساعات متواصلة.. وكذلك منطقة الرفاع الشرقي انقطع عنها التيار الكهربائي مدة ثلاث ساعات ليومين متتاليين في التاريخ عينه 19 مايو.. مثلما عانت عدة مجمعات في المنطقة الوسطى من أزمة انقطاع التيار الكهربائي.. وثمة شكوى واستغاثة أهالي وأسر مجمع (213) بالمحرق من الانقطاعات الكهربائية مدة يومين، ابتداء من منتصف الجمعة ليلا 19 يونيو حتى العاشرة صباحا من يوم السبت 20 يونيو 2009م.. الامر الذي اضطرت فيه هذه الاسر الى ترك منازلها التي اكتنفت بشبح الظلام وتحولت الى مصاهر وافران، ولجوئها الى منازل أقربائها ان استطاعت أو امكنها ذلك.. أما الاسر المقطوعة ولا حول لها ولا قوة لها وخاصة التي من بينها الاطفال والمرضى والمسنون فان معاناتها هي البقاء ما بين جدران المنزل اللاهبة.. بل مصيرها الموت المحقق.. ناهيك عن احتراق الاجهزة الكهربائية، وفساد وتلف المواد الغذائية والاستهلاكية.
إن هذه الاسر الفقيرة بظروفها المعيشية المتردية تطرح اسئلة بالغة الاهمية: هل يحدث لأي مسئول في الدولة، ما يحدث للأسر الفقيرة ازاء ازمة الانقطاعات الكهربائية؟ لماذا تتلكأ هيئة الكهرباء وتتباطأ في اعادة التيار الكهربائي لمناطق الاسر الفقيرة التي تتطلب ساعات طويلة، بينما تعلن الوزارة حالات الطوارئ من أجل حل ازمة الكهرباء لهذا المسئول وذاك الوجيه في المناطق الراقية وبالتالي اعادة التيار الكهربائي خلال فترة قصيرة من الدقائق؟ لماذا ينقطع التيار الكهربائي عن منازل صغيرة ومتواضعة لأسر فقيرة في الوقت الذي تظل فيه الابراج والعمارات والفلل الشاهقة التي يبلغ ارتفاعها عنان السماء، والمجمعات والصالات التجارية الفخمة أيضا كلها وجميعها تتلألأ بأضواء التيار الكهربائي بجميع طوابقها وملحقاتها وأروقتها على مدار اربع وعشرين ساعة؟
هذه الاسئلة وغيرها لم نجد لها اجوبة ناجعة، سوى في تصريحات مسئولي هيئة الكهرباء التي لا تشبع ولا تغني من جوع، بل هي ذر للرماد في العيون.. والتي عادة ما تقترن هذه التصريحات بإعلان أسباب تسويفية ومبررات تسويغية واهية “كتجاوز الاحمال وتفوقها على شبكة التوزيع والطاقة الكهربائية، أو تباطؤ وتقاعس المقاولين عن اصلاح الخلل” من دون التطرق الى الاسباب الجوهرية التي تؤدي الى الانقطاعات الكهربائية، وتجاهل المسئولين في هيئة الكهرباء وعدم التطرق الى جوهر ولب الازمة التي تكمن بالدرجة الاولى بحسب رؤية وتحليل الخبراء والمحللين والمراقبين في غياب الدراسة المطلوبة، وانعدام الاستراتيجية الواضحة، واعطاء التراخيص العشوائية لانشاء عمارات ضخمة وبناء فلل حديثة في احياء ومناطق سكنية قديمة تعاني اصلا امدادات مهترئة بالكابيلات القديمة، التي بدورها لا تحتمل ولا تتحمل كل تلك الطاقة الكهربائية الاضافية.. أضف الى ذلك غياب استراتيجية الصيانة الدورية للكابيلات القديمة في فصل الشتاء بدلا من فصل الصيف.
لعل في نهاية المطاف يبقى القول الملح ان أزمة الانقطاعات الكهربائية المستمرة لم تجد لها سبيلا أو مخرجا سوى توفير الحلول الناجعة والفعلية، والمتمثلة في وضع الخطط التنموية المدروسة وطرح الاستراتيجية العلمية المنشودة تدعمها مصداقية الاقوال مقرونة بترسيخ الافعال.. من أجل تفادي حدوث يوم الاثنين الاسود من جهة، ومن أجل القضاء أو تلاشي مكابدة المواطنين والمقيمين.. والحد من معاناتهم النفسية والمعيشية والمادية والاسرية من جهة اخرى.
تنويه:
وقع خطأ في مقالتي المنشورة يوم الجمعة الماضية والمعنونة: في ذكرى رحيل المناضل أحمد الذوادي، حيث نشر “وهكذا يظل يوم الثامن عشر من شهر يوليو خالدا” والصحيح هو: “يوم الثامن من شهر يوليو”، وكذلك وقع خطأ آخر حيث نشر “مثلما تألقت الجبهة بنضالاتها السياسية وقيادتها في انتفاضة مارس االشعبية عام 1972م”، والصحيح هو: “انتفاضة مارس الشعبية عام 1965م”، لذا وجب التنويه.
صحيفة اخبار الخليج
17 يوليو 2009