لا يحتاج المرء إلى بصيرة خارقة كي يقدم قراءة قريبة للصحة فيما يتعلق بالتحدي الانتخابي الذي ستواجهه جمعية الوفاق الإسلامية في الانتخابات النيابية العام القادم، كما قدمه لنا النائب السلفي الشيخ عادل المعاودة، فالوفاق تخوض معركتها الانتخابية في دوائر جل سكانها من الطائفة الشيعية التي تمثل الوفاق “حزبها” السياسي الرئيسي ناهيك عن أن هذه الجمعية مدعومة بشكل صريح وقوي من علماء الدين الشيعة الذين لهم تأثير كبير في الغالبية العظمى من الشارع الشيعي، أما بالنسبة إلى عدم إمكانية فوز أي من العلمانيين في الانتخابات القادمة، كما توقع النائب المعاودة، فتلك مسألة أخرى
وهي خاضعة للكيفية التي ستدار بها الأصوات الانتخابية، وبغض النظر عما إذا تمكن التيار العلماني من إيصال نواب عنه إلى البرلمان أو لم يتمكن فإنه سيبقى التيار الأقدر على تمثيل أطياف المجتمع البحريني كافة.
صحيح أن تجربة فشل التيار الإسلامي في الانتخابات الكويتية الأخيرة قد لا تتكرر لشقيقه في البحرين وقد لا تفوز امرأة بحرينية في الانتخابات القادمة وبالعدد الذي حققته المرأة الكويتية حين استطاعت كسر حاجز التشويه الذي مارسه تيار الإسلام السياسي في الكويت ضد المرأة الكويتية، إلا أن ذلك لا يعني أن تيار الإسلام السياسي سيبقى سيدا في الساحة البحرينية كما هو حاله الآن، سواء في الشارع الشيعي أم السني على حد سواء، فالظروف التي مكنت هذا التيار من بسط هيمنة شبه مطلقة على الشارع هي ظروف طارئة ومتغيرة أيضا.
الأهم من ذلك كله هو أن تيار الإسلام السياسي كشف أوراقه جيدا من خلال أدائه ودوره في البرلمان فهو ليس بالتيار القادر على التحدث باسم مختلف أطياف المجتمع البحريني، فجمعياته السياسية هي جمعيات طائفية التركيب حيث ان جميع أعضائها ينتمون إما إلى الطائفة الشيعية وإما إلى الطائفة السنية، والحال أيضا ينطبق على خطابه السياسي ومواقفه من القضايا الوطنية والعربية والعالمية أيضا، وبالتالي فإنه وإن تراءى لممثليه أنهم القوة الرئيسية في الساحة الوطنية حاليا فإن المستقبل هو للقوى القادرة على مجاراة العصر بمتطلباته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كافة.
ثم ان ما حصل لتيار الإسلام السياسي في الكويت سبق أن حصل لشقيقه في الأردن وبالتالي فإن هذا التيار ليس محصنا في وجه التطورات الفكرية والسياسية التي تمر بها المجتمعات العربية ومنها المجتمع البحريني الذي سوف يكتشف بكل تأكيد أن هذا التيار ليس هو التيار القادر على قيادته نحو التطور السياسي والاجتماعي، بل على العكس من ذلك فإن استمرار سيطرة تيار الإسلام السياسي على الساحة من شأنه أن يسهم في تكريس الانقسام المجتمعي على أسس طائفية وقد يؤدي في مراحله المتقدمة إلى إحداث تصادمات كما يحدث في العديد من الدول مثل العراق.
إن صدقت قراءة النائب عادل المعاودة فيما يتعلق بعدم إخفاق تيار الإسلام السياسي في البحرين في الانتخابات النيابية في العام القادم كما حدث لتيار الإسلام السياسي في الكويت، فإن ذلك لا يعني أن هذا التيار بعيد عن الإخفاق في المرات القادمة، ذلك أن كل المؤشرات تؤكد أن صعود قوى الإسلام السياسي في مختلف الدول ليس هو الآن بالسرعة التي كان عليها مع بداية سبعينيات القرن الماضي، بل ان الفشل سيكون هو عنوان المراحل القادمة بكل تأكيد حيث عجزت قوى هذا التيار – رغم سيطرتها على الشارع وعلى البرلمان أيضا – عن تقديم مشاريع تخص مختلف طوائف وشرائح المجتمع البحريني.
ففي البرلمان على سبيل المثال حيث تسيطر قوى الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني فإن عناوين أدائها كانت كلها عناوين ذات ألوان طائفية، وبدلا من أن تستخدم ساحة البرلمان لتعزيز الوحدة الوطنية رأينا كيف أن أداءها كاد أن يتسبب في منازعات طائفية حيث ينعكس ذلك على الشارع، لذا فإن قوى بهذا الأداء وهذا الدور لا يمكن أن تكون هي قوى المستقبل، ثم ان القوى الطارئة على المجتمعات لا يمكن أن يدوم حضورها وتأثيرها على مدى طويل، وهذا ما سوف يتأكد خلال المراحل القادمة.
فقوى الإسلام السياسي كلها غير قادرة على مسايرة التطور الاجتماعي والسياسي في المجتمعات التي توجد بها، بل انها فوق ذلك تلعب دورا معوقا لهذا التطور، فقد تسببت في بروز النعرات الطائفية في البحرين وفي الكويت وغيرهما من الدول، وسيأتي اليوم الذي يكتشف فيه المواطن حقيقة الدور الذي تلعبه قوى الإسلام السياسي وتأثيرها السلبي في التماسك المجتمعي وفي الوحدة الوطنية أيضا.
أخبار الخليج 13 يوليو 2009