الجمعة الماضية، 10 يوليو/ تموز ,2009 اختتمت قمة الدول ‘الثمانية الكبار’ أعمالها التي استمرت ثلاثة أيام في مدينة لاكويلا الإيطالية. كان المخطط أن تعقد القمة في جزيرة مادالين على شواطئ سردينيا. ولأسباب تتعلق بحماية البيئة كواحدة من أهم قضايا جدول أعمال القمة كما سنأتي على ذلك لاحقا، وقع اختيار الحكومة الإيطالية على لاكويلا التي تعرضت لزلازل قوية ضربتها في 6 أبريل/ نيسان الماضي. وقد استحسن المشاركون الاختيار.
وقبل التعرض للقمة الأخيرة نجول بنظرة سريعة في تاريخ هذه المجموعة. بدأت هذه اللقاءات عموما على إثر أزمة الطاقة التي أحدثها إجراء الدول العربية بوقف ضخ النفط إلى الدول التي ساعدت إسرائيل في عدوانها إبان حرب أكتوبر/ تشرين الأول .1973 وقد ضربت أزمة الطاقة بشكل مؤلم اقتصاد أميركا وأوروبا الغربية. ولأول مرة وضعت تلك الأزمة ضرورة إعداد مقاربات ما مشتركة لمواجهة التحديات الجدية التي تفرضها الأسواق الحرة واقتصاد السوق الحر أمام هذه أو غيرها من المجتمعات. في البداية كانت هذه القمم محدودة للغاية. ففي المرة الأولى اجتمع ممثلو خمس دول فقط، ثم توسعت إلى ‘سداسية’، وبعدها ظهرت مجموعة ‘السبع الكبار’ التي استمرت حتى وصول ميخائيل غورباتشوف إلى رئاسة الاتحاد السوفييتي. في قمة ‘السبعة’ الكبار للعام 1991 دعيت روسيا لأول مرة كمراقب. وفي العام 1997 انتقلت القمة إلى صيغة ‘الثمانية’ بمشاركة روسيا كعضو كامل الصلاحيات. وفي الفترة ما بين 15 و17 يوليو/ تموز 2006 انعقد في مدينة بطرس بورغ الروسية قمة الثمانية برئاسة روسيا، وكانت القضايا الرئيسية على جدول أعمالها هي أمن الطاقة، مكافحة الأمراض المعدية، والتعليم. وكما تشكلت المجموعة بسبب أزمة الطاقة أصلا، فبسبب أزمة الطاقة الأخيرة توطد وضع روسيا منذ هذه القمة كعضو مقرر في معظم القضايا التي تناقشها دول المجموعة. لكن ذلك لايزال لا يسري في لقاءات وزراء المال لدول المجموعة.
مجموعة ‘الثمانية’ تسهم الآن بنصف الصادرات العالمية وأكثر من نصف الإنتاج الصناعي العالمي. ومع ذلك فليس لها تصنيف المؤسسة الدولية، وهي لا تقوم على أساس معاهدة ما، وليست لديها سكرتارية دائمة. ويرأس المجموعة لمدة عام رئيس البلد الذي تنعقد فيه القمة الأخيرة (غالبا في الصيف). وعادة ما تسبق لقاءات كل من قمم ‘الثمانية’ 60 إلى 80 اجتماعا على مستوى الخبراء والوزراء. كما تجرى لقاءات أخرى لقادة أهم وكالات الأنباء للدول الثمانية وقمم رجال الدين ورجال الأعمال فيها إضافة إلى ‘الثمانية الشبابية’. قرارت ‘الثمانية’ تتخذ بالإجماع عادة ولا تكتسب قوة قانونية، لكنها تشكل دليلا للمجتمع الدولي بالنسبة لقضايا العصر المفتاحية.
ومنذ العام 2001 أصبح يدعى إلى القمة قادة الدول الأخرى للاشتراك في مناقشة بعض قضايا الأوضاع العالمية. وفي السنوات الأخيرة، خصوصا مع بدء علائم الأزمة المالية، فالاقتصادية العالمية بدأت تطرح من داخل ‘الثمانية’ أهمية توسيعها نظرا لأن طبيعة وحجم القضايا العالمية أصبحت تتطلب مشاركة عدد أوسع من دول العالم. ولعل انعقاد قمة لاكويلا بالصيغة الجديدة يعد مؤشرا مهما على مستقبل إطار المجموعة. فقد انخرطت في أعمال القمة عموما وفود كل من الهند، الصين، جمهورية جنوب إفريقيا، المكسيك والبرازيل (مجموعة الدول السريعة النمو ‘الخمس’) وكذلك البلدان الإفريقية وإندونيسيا وأستراليا. وإجمالا تمت دعوة 30 دولة، ما يعد رقما قياسيا في تاريخ قمم ‘الثمانية’. في اليوم الأول للقمة زار جميع المشاركين مناطق لاكويلا التي ضربتها الزلازل. وقد عكس البيان الختامي للقمة عزم قادة ‘الثمانية’ على درء ومكافحة الكوارث الطبيعية العفوية. وقد عرض قادة الدول مساعداتهم في إعادة ترميم الآثار التاريخية في لاكويلا. وانتهى هذا اليوم أيضا باتخاذ قرارات تتعلق أساسا بالوفاء للالتزامات السابقة بالإجراءات من أجل الخروج من الأزمة المالية العالمية وبدعم الاقتصاد وأسواق المال. وعلى وجه الخصوص بحث قادة القمة مقترح الجانب الإيطالي ‘بإعداد معايير عالمية’ واتفقوا على إنشاء ‘إطار برنامج ليتشه’ لصياغة مبادئ ومعايير عامة للسلوكيات في الاقتصاد. ليتشة هي مدينة في جنوب إيطاليا انعقد فيها لقاء وزراء اقتصاد ‘الثمانية’ وصاغوا أسس هذه المبادئ.
في اليوم الثاني جرت لقاءات موسعة. في البدء ‘الثمانية’، ‘الخماسية’ ومصر ناقشوا قضايا المصادر الجديدة للنمو. وبعدها عقد ما يسمى ‘بمنتدى الاقتصادات الرائدة’ الذي يضم ‘الثمانية’، ‘الخماسية’، استراليا، إندونيسيا وجمهورية كوريا الجنوبية. وقد بحث المنتدى المسائل المتعلقة بالتجارة (باشتراك منظمة التجارة العالمية)، القضايا المناخية (بمشاركة الأمم المتحدة والدنمرك). وقد اتفقت وجهات نظر المشاركين بشأن جميع القضايا الأخرى، بما في ذلك الإعلانات التي أصدرتها قمة ‘الثمانية’ حول إجراءات مواجهة الأزمة العالمية وإعادة إنهاض الاقتصاد العالمي.
واحدة من الموضوعات التي واجهت القمة في يومها الأخير هي تحقيق ‘أهداف الألفية للتنمية’ التي صيغت العام .2000 وهي تفترض إحداث ارتفاع ملحوظ في مستويات الحياة وخفض عدد الفقراء في العالم إلى النصف حتى العام .2015 غير أن الغالبية الساحقة من البلدان الإفريقية لا تزال بعيدة عن إمكان تحقيق أهداف الألفية حسبما يشير ممثلو الأمم المتحدة. والسبب الرئيسي هو أن هذه البلدان لا تحصل على الدعم الكافي من قبل المجتمع الدولي. فمن بين 25 مليار دولار كان قد قررت مجموعة ‘الثمانية الكبار’ تخصيصها لتنمية إفريقيا على مدى خمس سنوات لم يصل إلى المستهلك النهائي منها سوى 3 مليارات دولار فقط.
يبدو أن من المحق تسمية قمة ‘الثمانية’ 2009 بالقمة ‘المضادة للأزمة’. لكن الثمانية الكبار بدأوا الاعتراف تدريجيا بأنهم أصغر كثيرا من أن يتصدوا لمشكلات العالم التي كانت غالبيتهم السبب الرئيسي في تفاقمها. ولذلك فلعل أهم قرار اتخذ في الواقع هو تحويل إطار ‘الأربعة عشر’ إلى ‘تشكيلة دائمة’.