حتما ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي نكتب فيها عن خليج توبلي ومأساته، التي يبدو أنه لا يراد لها أن تحل، فقد صدرت بحق الخليج وتحديد خط دفانه وقضية حماية الثروة البحرية والبيئية والحياة الفطرية ومشاريع الصرف الصحي ومنع الدفان وكل ما يمكن أن يربط به بشكل أو آخر، صدرت بشأنها قوانين وقرارات عدة، ووقعت لأجلها العديد من الاتفاقيات، ولكنها بكل أسف لم تحترم أو تنفذ، وبقيت تمثل دليلا على جشع وعدم مبالاة وفساد البعض الذين يصرون على أن يتعاملوا مع قضية بيئية بهذه الأهمية بكثير من عدم الاكتراث واللا مبالاة.
شخصيا لا أحبذ أن تُسيّس قضية خليج توبلي، ولكن أجد أن هناك من الرسميين من يتعمد تسييسها بممارساته، فالقضية التي نحن بصدد الحديث حولها لا تحتاج لأن يكتب عنها المزيد فقد أصبحت واضحة وجلية المعالم، كما أنها لا تحتاج إلى المزيد من القوانين والقرارات فما صدر بحقها وبحق كل قضايانا البيئية حتى الآن يعتبر كافيا.. فأين هو الخلل يا ترى؟! لقد تناوبت مختلف وسائل الإعلام ومنذ عقود ولا زالت على الحديث والبحث والمطالبة بإيجاد حلول لهذا الخليج المنكوب، بل أن متابعات وسائل الإعلام كثيرا ما أبرزت هذه القضية لتبقيها حاضرة أمام أعيننا كل يوم وكل حين ، فالخليج لا يقع في أعالي البحار وإنما بالضبط في موقع القلب من مساحة هذا الأرخبيل المبتلى بالتلوث والتعدي على بيئته وبحره وسمائه ونوارسه، التي صرنا نشتاق لرؤيتها بعد أن هجرته بفعل ذلك التلوث والغازات السامة والروائح العفنة والمياه التي كانت بلون الدم الفاسد العفن، لتصبح بلونها الأسود الخالي من أية ملامح للحياة كما يخبرنا علماء البيئة، الذين لم يبخلوا علينا بدراساتهم وتقاريرهم التي أضحت تضاف إلى ذلك الكم الهائل من القوانين و القرارات دون جدوى!
فقد شكل برلمان 2002 لجنة تحقيق كُلفت برآستها آنذاك، وبذل معظم أعضائها جهودا استثنائية، وبدوا وكأنهم يعملون على إنقاذ غريق، وقدموا تقريرا حرفيا موسعا متميزا شهدت على حرفيته الحكومة حينها، حيث أصرت اللجنة آنذاك على إعادة اعمار الخليج وضرورة تحديد خط الدفان الذي اتفقنا بشأنه مع الأخوة في مجلس بلدي الوسطى، الذين شكلنا معهم فريق عمل منسجما يصلح لأن يكون نموذجا يقتدى للتعاون بين المجالس البلدية ومجلس النواب، واتفقنا على رفض مقترح الحكومة آنذاك والقاضي بجعل خط الدفان خطا مستقيما، حيث كنا نرى فيه بالإضافة إلى عدم مواءمته بيئيا وجغرافيا، وفي النهاية توافقنا مع الحكومة بعد عناء ومكابدة على أن يكون الخط متعرجا وبمساحات ارتداد مقبولة.
حدث ذلك منذ أكثر من ثلاث سنوات وصدر بشأن خط الدفان مرسوم فرحنا به كثيرا، ولكن تعاقب أكثر من ثلاثة وزراء حتى الآن على وزارة البلديات ولم نلمس جديدا يذكر، غير الحديث عن لجان لتنظيف قاع الخليج وتوسيع مداخله، ومشاريع خيالية لإحالته إلى موقع جذب سياحي للرياضات المائية والمطاعم المعلقة…الخ. شخصيا أثق في توجهات ونوايا الصديق الوزير جمعة الكعبي، ومدى حرصه على حماية الخليج، كما كنت واثقا من قبل ولا أزال في حسن نوايا وتوجهات الصديق الوزير فهمي الجودر، وإن كنت أذّكره بوعوده لنا بالإغلاق التدريجي لمحطة معالجة الصرف الصحي التي هي احدى أهم أسباب تدمير الخليج وتلوثه. وهنا أسمح لنفسي بالقول أن قرار إنقاذ الخليج لا يحتاج أن تنبش لأجله كل تلك القوانين والقرارات، ولا يحتاج أن تشكل له اللجان الرسمية ولا حتى لجان تحقيق نيابية جديدة، فهو بثرواته وأهميته وموقعه وجماليته أصبح يحتاج إلى قرار سياسي حاسم لا يقبل الانتظار ولا يتعلل بالميزانيات الغائبة ولا حتى المزايدة السياسية حوله من أي طرف كان، فهل نتعشم خيرا في توجهات سمو الشيخ عبد الله بن حمد آل-خليفة محافظ الجنوبية الذي أعتقد انه يجد نفسه الآن في مهمة إنقاذ عاجلة لا تقبل التأجيل وترفض بيروقراطية القرار الرسمي؟! نرجو ذلك.