المنشور

توصيف غير دقيق


في ظل العواصف الثورية تغدو التقييمات السياسية مهمة، ولابد لمن ناضلَ طويلاً في هذه المنطقة من أن يتخذ القرارات الدقيقة، بأن يدرسَ اللحظة السياسية الخطيرة الراهنة، حيث تقوم جماهير طليعية معينة بتقرير أو ربما بتأثير أساسي على مصير بلد ومنطقة، وتنفتح خياراتٌ سياسية متعددة، وتتداخل الطرق وتتوهُ الخطوات أحياناً، ويضيع الهدف!

يتوه حزبُ (تودة) – حزب الشعب الإيراني التقدمي المناضل – في توصيف اللحظة السياسية الراهنة، فهو يرى بأن سبب المشكلات الحادة الراهنة في إيران هو:
( دخلت إيران الانتخابات الرئاسية العاشرة في ظروف اجتماعية – اقتصادية صعبة. فأربع سنوات من حكومة احمدي نجاد والسياسات النيوليبرالية التي اتبعتها (وأملاها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) جعلت الغالبية العظمى من الطبقة العاملة والشغيلة الإيرانية تعاني المشقة والفقر غير المسبوق. ويكشف تفحص سياسات إدارة احمدي نجاد السمات الخاصة للوجهة التي تبنتها هذه الحكومة، التي تنتمي إلى الرأسمالية التجارية الكبيرة والبرجوازية البيروقراطية في البلاد، وبعض الأسباب التي تقف وراء الحركة الجماهيرية الشعبية ضد هذا النظام. ( عن موقع الحزب الشيوعي العراقي،).

يجعلنا هذا التوصيف نتصور أن الرئيس الإيراني نجاد يمثل (الرأسمالية التجارية الكبيرة)، وهي قوى تجارية لا نعرف مدى استقلالها عن الدولة، لكنها بالتأكيد تمتلك بعض الاستقلالية عن النظام وتختلف عن (البرجوازية البيروقراطية) الحكومية، وهنا لا يحلل البيان كون القوى العسكرية الحاكمة خاصة (الحرس الثوري) هي المعنية خاصة بذلك. ويصمت عن هذه العقبة السياسية الكبيرة في النظام الإيراني.

ولنا أن نتساءل عن هذا التوافق العجيب بين صندوق النقد الدولي وحكومة نجاد.

بين سياسة حكومة الولايات المتحدة في عهد بوش وتوافقها مع حكومة الرئيس نجاد؟

كيف ينفذ الرئيس الإيراني السياسة الأمريكية في مجال الاقتصاد ثم يعارضها في مجال التسلح والسياسة الخارجية عامة؟

إن بيان حزب تودة تجاه عمليات التخصيص مبالغ فيه حسب حكم الجرائد الإيرانية نفسها. لقد فشلت خطة التخصيص ومازالت الحكومة وخاصة القطاعات العسكرية مستولية على الموارد العامة بشكل أساسي! وهكذا فإن الحديث عن التخصيص وكونه القضية الكبرى وتدميره لإيران فيه سكوت عن الحرس الثوري وبقية المؤسسات العسكرية كهادرة أساسية للأموال العامة في إيران.

إن مناطق التوتير في جنوب لبنان وغزة واليمن والعراق والخليج مطلوبة للحرس الثوري وللقوى العسكرية الأخرى، والضباط الكبار في مناطق التوتر يتلاقون في عملية واحدة هي تأزيم المنطقة وحلبها.

ولهذا فإن التوصيف العام المجرد (البرجوازية التجارية الكبرى والبيروقراطية) لا يضعُ الأصبعَ على الجرح الإيراني!

إن توسع الليبرالية والقوى التجارية والصناعية مطلوب في ظل مناخ حكومة شمولية عسكرية توجه البلد والمنطقة لحافة الهاوية، وليس الصراع الراهن في إيران حالياً سوى بين جناح عسكري مغال وبين أجنحة مدنية مهضومة الحقوق سواء كانت داخل الدولة أو خارجها.

كما ان الدفاع عن مصالح القوى العمالية والشعبية عموماً مطلوب هو الآخر، بحيث يغدو الدفاع عن الحريات الاقتصادية والسياسية والفكرية والدفاع عن معاش الناس مترابطين.

ويبين تقرير حزب الشعب الإيراني نفسه مخاطر السياسة العسكرية على الاقتصاد وحياة الجمهور ومعيشته، فيذكر من خلال نشرة البنك المركزي الإيراني ما يلي:
(وتعتقد النشرة ان الديون الخارجية لإيران في السنوات المقبلة ستتزايد، وانها سترتفع في السنة (الايرانية) 1387 (2008) والسنة 1388 (2009) الى 26،3 مليارات دولار و28،1 مليار دولار على التوالي، وسترتفع بالوتيرة المتصاعدة نفسها الى 29،2 مليار دولار في 1389 (2010).

كما تتصاعد معدلات الفقر بصورة كبيرة:

( ان عدد الاشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفع خلال اول سنتين من الحكومة التاسعة، من 18% الى 19%. وبالاستناد الى هذه الارقام، فإن ما بين 14 و15 مليون شخص يعيشون حالياً تحت خط الفقر.).

(وحسب الإحصائيات التي نشرت في وقت سابق هذه السنة، فان 80% من العمال في المصانع وفي الصناعات التحويلية يعملون بموجب عقود مؤقتة تغطي فترة تشغيل تتراوح من شهرين و10 أيام فقط الى 6 أشهر. إن جزءاً كبيراً من العمال المؤقتين المشمولين بقانون العمل يعملون في ظل ظروف بالغة القسوة).
وبطبيعة الحال فإن هذه الظروف الشعبية الصعبة لا تنعكس بشكل آلي في آراء وأهداف القادة السياسيين المتصارعين، جناحي العسكر والقوى المدنية، فرغم كون موسوي من مؤسسي الاقتصاد المدني والقطاع العام الصناعي تحديداً، إلا أننا لم نقرأ أي برنامج فيما يتعلق بتغيير الحياة الاقتصادية والحياة العسكرية لديه، بسبب صعوبة مثل هذا الطرح في اللحظة السياسية الراهنة، ولهذا اعتمد على لغة سياسية عامة غامضة، وهو يريد أن يسير في أروقة النظام بكل قوة وهي التي سوف تجهزُ عليه آجلاً أم عاجلاً.

وهو أمرٌ يشير من جهةٍ أخرى إلى كون الإصلاحات التي يقترحها ستكون ضمن أفق النظام، وعملية مساومة بين الجناحين العسكري والمدني.
إن البيروقراطيتين: العسكرية والمدنية الحكومية، لا تريدان صراعاً شعبياً عميقاً، ومن هنا يغدو برنامج موسوي عاماً، ويمثل محاولة لعزل الجناح العسكري وتجميع كل القوى السياسية والدينية ضده، لكن هذه العملية لم تحصل على مؤيدين كثيرين، فنجد أغلبية المراجع الدينية وقفت بشكل محايد أو صامت، وإن كان بعضها اعترض بقوة.

لا شك ان السياسة السلمية لإيران ستكون مكسباً للجمهورية ولشعبها وللمنطقة، فتوجيه هذه الموارد الكبيرة من النفط والصناعة لتطوير الاقتصاد وحياة الجمهور ستعطي نتائج أكثر أهمية من سياسة المواجهة.

ولكن يبقى هذا الخيار محدوداً، ويتصاعد على العكس دور الضباط وجاء تصريح رئيس أركان الجيش في مواجهة الاتحاد الأوربي بضرورة اعتذارها، ليؤكد أن القوى العسكرية ماضية في برامجها المتحدية.

وهكذا فإن القوى العسكرية قد فتحت على نفسها عدة جبهات، وحتى من حيث الحدود وميزان القوى وعدم تماسك الجبهة الداخلية، فإنها تغامر بكل شيء.
ومهما كانت النتائج والأحداث فإن انتصار القوى المدنية التجديدية على مستوى الشرع الإثناعشري، وعلى مستوى تطور الاقتصاد والحريات، لا شك قادم.
 

أخبار الخليج 7 يوليو 2009