المنشور

الإنتخابات الرئاسية في إيران : أختبار لمدى فاعلية رجال الدين


 
 
بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران، فإن الحوادث الأخير في تلك البلاد تُعتبر مُنعطف في تاريخ إيران المعاصر. ومما لاشك فيه، إن السبب البارز لهذهِ الأهمية هو الحضور العريض لشرائح مختلفة من أبناء الشعب في هذهِ الانتفاضة ضد الطاغية. 
  
  


 

 


  
 
الإنتخابات الرئاسية في إيران : أختبار لمدى فاعلية رجال الدين
Iranian Presidential Elections; A Test for the Effectiveness of Clergy
 




بقــــلم: رضا شوقي
ترجمة: غريب عوض

 
 

بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران، فإن الحوادث الأخير في تلك البلاد تُعتبر مُنعطف في تاريخ إيران المعاصر. ومما لاشك فيه، إن السبب البارز لهذهِ الأهمية هو الحضور العريض لشرائح مختلفة من أبناء الشعب في هذهِ الانتفاضة ضد الطاغية.
 
وفي خضم كلُ هذا، بدأ المكان الفاضي لرجال الدين واضحاً تماماً. في خلال التاريخ المعاصر، كان رجال الدين الشيعة يشاركون دائماً في الحركات الوطنية ضد الدكتاتوريات. وهذهِ المشاركة في مناسبات مُعينة، مثل الثورة الإسلامية، قد اتخذت شكلاً أكثر اتساعاً وشعبيةً لأن عددٌ كبيرٌ من رجال الدين من المراتب الوسطى في المدارس الدينية قد صاحبوا الشعب في ثورتهِ.
 
هذهِ المرة، يبدو أن رجال الدين لم يساندوا احتجاج الشعب ضد الزُمرة الاستبدادية المُحْدَثَة التي حتى لم تتردد عن مهاجمة روادها المحافظين القدماء وتنوي تكميم أصغر الأصوات التي تنشُد الديمقراطية. وبالطبع، إن تصريحات آيات الله العُظمى من أمثال حسين علي مُنتظري، ويوسف صانعي، وسيد عبدالكريم موسوي أردبيلي، لم تكن غير مُتوقعة إذا وضعنا في عين الاعتبار معارضتهم المستمرة للنظام والمعاملة السيئة التي تعرضوا لها في الماضي على يد المتشددين. ولكن سلطات دينية ومؤسسات دينية أخرى لم تُبدي أية تعليقاً حتى هذهِ اللحظة حول الانقلاب الانتخابي والعنف القاسي والسلوك الإجرامي الذي واجه بهِ هذا النظام الجماهير العزلاء. ما السبب الكامن وراء هذا الصمت المُريب؟ نستطيع الحصول على الإجابة على هذا السؤال في البُنية الحالية لمنظومة رجال الدين ونوع العلاقة والارتباط الموجود بينها وبين النظام السياسي. بعد الثورة الإسلامية، بدلت هذه العلاقة المجالين الاقتصادي والسياسي بشكل كامل عن طريق إسناد صفة ”الإسلامي“ إلى النظام؛ لقد ابتكرت نزعة جديدة على طرفي نقيض من الموروث التاريخي للمؤسسة الدينية.

إن المؤسسة الدينية الشيعية، حسب قول آية الله مُرتضى مُطَهرّي، ’فخورة، على النقيض من قرينتها السُنية (مثل جامعة الأزهر في مصر)، لا تعتمد اقتصادياً على أية حكومة في مختلف الفترات التاريخية. ويُضيف آية الله مُطهري، بأن المؤسسة الدينية الشيعية قد بقيت مُستقِلة عن طريق حصولها على زكاة العُشر وسهم الإمام من المؤمنين. وبالرغم من أن هذا الهيكل الاقتصادي قد منع عملياً طلاب المدارس الدينية من أن يصبحوا طبقة ثرية، إلا أنهُ ضَمَنَ استقلالية شجعت المؤسسة الدينية الشيعية على التعبير عن وجهات نظرها النقدية في الانظمة الحاكمة المختلفة دون أن تخاف من عواقب اقتصادية.
 
ولكن على أثر الثورة الإسلامية وانفراد المؤسسة الدينية بالسلطة في إيران، تبدل هذا الهيكل الاقتصادي. ففي هذهِ الفترة الجديدة، بالرغم من أن المؤسسة الدينية لا تزال تحصل على التبرعات المالية من أفراد الشعب ، إلا أنها بدأت تتمتع بإمتيازات حكومية أيضاً. ولا شك، أن بعض الشخصيات المعروفة في المدارس الدينية، خاصةً أولئك الذين لا يؤمنون بالمبادئ النظرية لولاية الفقيه، يؤكدون على أن طلاب المدارس الدينية والمعلمين يجب أن يحافظوا على استقلالهم عن الحكومة. ومع هذا، فإن توظيف عدد كبير من رجال الدين من مراتب دينية عالية، ومتوسطة، وصغيرة في مؤسسات مُرتبطة بالحكومة، والمصاعب الاقتصادية التي يواجهها طلاب المدارس الدينية، خاصة سياسات الحُكام، وبشكل خاص آية الله خامنئي، كل هذا جعل هذهِ المؤسسة، من غير شك، تعتمد على الحكومة.
 
إن نهج آية الله خامنئي خلال قيادتهِ يُظهر اختلافات كبيرة عن نهج آية الله العظمى خُميني نحو طلاب المدارس الدينية. فخلافاً لمؤسس الثورة الذي آمن بضرورة أن يعيش طلاب المدارس الدينية حياة بسيطة، فقد حاول آية الله خامنئي تحسين ظروفهم الاقتصادية. فمشروع الخدمة الصحية المجانية، والتوزيع المُتناوب للوازم والإحتياجات المنزلية الرخيصة، والتوزيع المجاني للغذاء، وتقديم القروض طويلة الأجل بدون فوائد، والمنح المالية خلال الاحتفالات الدينية، ومشروح المساعدة لبناء مساكن المهدي والقسائم السكنية والمنازل المجانية لطلاب المدارس الدينية على مدى عشر سنوات، هذهِ بعض من سياسة آية الله خامنئي. وعلى الرغم من أنهُ يمكننا ترجمة هذهِ الجهود كمحاولة للقضاء عل المصاعب الاقتصادية التي تواجه طلاب المدارس الدينية، غير أن الجانب الآخر للعُملة هو خطة تغيير العلاقة التقليدية والتاريخية بين رجال الدين الشيعة والنظام السياسي.
 
عندما تم اختيار آية الله خامنئي مُرشدٌ أعلى، خصص تمويلاً لطلاب المدارس الدينية يُعادل ما كان يدفعهُ آيات الله العُظام لمُريديهم من طلاب المدارس الدينية؛ كان هذا مجرد مناورة ليرفع مقامهُ إلى مستوى آية الله العُظام.
 
إن توظيف بعض المحاضرين المشهورين من المدارس الدينية، الذين من المحتمل أن يشكلوا الجيل الثاني من المَراجع المُقلدين، في مناصب حكومية كان هذا تكتيك آخر لشراء تأييد رجال الدين وجعلهم يعتمدون على الحكومة.
 
وهكذا، أصبح عدد كبير من رجال الدين وتلاميذ المدارس الدينية يعتمدون على النظام بطريقة لم يبقى أي أثر لما أطلق عليه آية الله مُرتضى مُطهّري نقد الحكومة أن يكون لهُ بقاء.
 
بجانب تغيير البنية الاقتصادية لرجال الدين، كذلك غيرت الثورة الإسلامية البنية السياسية لهذهِ المؤسسة. قبل تكوين ”نظرية ولاية الفقيه“، كان النموذج المُهيمن في فكر رجال الدين الشيعة يستند إلى التالي: الحُكم هو حق للإمام سليم النية ولا أحد غيره لهُ الصلاحية لتشكيل الحكومة إلا هو. فعلى هذا المُرتكز فإن جميع الأفراد الذين يسعون لأقامة حكومة خلال وجود الإمام سليم النية هم مغتصبون لحق الإمام. كما أن الحكومات التي تم تشكيلها في غيبة الإمام هي حالات مؤقتة كانت نتيجة أما لوضع طارئ أو هي كانت ضرورية لبقاء مجتمع كان بدونها قد يتعرض للإنهيار. أن ما يشترك فيه هذين النوعين من الحكومات هو أن الشريعة تُحرم صلات رجال الدين بكلتا الحكومتين أو التعاون معهما، خاصةً إذا كان هذا التعاون يُفضي إلى تعزيز تأسيس هاتين الحكومتين المُشار إليهما.

ولكن بانتصار الثورة الإسلامية وصعود رجال الدين إلى سدة الحكم، تم تحدي نموذج أقتصاب الحكومة بواسطة النموذج المنافس وهو ولاية الفقيه. وبالرغم من أن هذا النموذج الجديد كان حديث العهد ويفتقر إلى تأييد الشخصيات الدينية القديمة في المدارس الدينية، إلا أنهُ أعتمد على السلطة. إن الدعاية المحمومة للحكومة لتبرير هذهِ النظرية، وضغطها المباشر وغير المباشر على رجال الدين الذين يُعارضون النظرية، والحرب والظروف الحرجة للدولة خلال فترات مُعينة، التي بررت ضرورة التظاهر بالوحدة الوطنية، كل هذا كان لهُ دور في خلق هذا النموذج الجديد. بالإضافة إلى محاولة الحكومة جعل طلاب المدارس الدينية والمعلمين – خاصة رجال الدين الشباب الذين يشكلون بُنية المدارس الدينية – مَدِينين للنظام بواسطة تقديمه الدعم الاقتصادي والإجار السياسي لهم، عزز هذا النموذج يوم بعد يوم. وأخيراً، إن إقامة ”مجلس إداري لعلوم المدارس الدينية“ لإدارة شئون رجال الدين – والذي كان سابقاً تحت إشراف المَرجع المُقًلَد – وتوظيف رئيس هذا المجلس بواسطة أمر مباشر من المرشد الأعلى كانت خطوة أسست لتحول البنية السياسية لرجال الدين ومحت استقلاليتها تماماً. كان هذا التحول عميقاً جداً إلى حد أن مهمة المصادقة على تأهيل طلاب المدارس الدينية للقب المجتهد أخِذَت من المَرجع المُقلد وأسنِدت ”لمجلس الوصاية“ (على ما يبدو كمقياس للمشاركة المستقبلية لطلاب المدارس الدينية في ”مجلس الخبراء“).
 
إن تأسيس ”المحكمة الخاصة لرجال الدين“ في نظام القضاء، و ”المكتب الخاص لرجال الدين“ في وزارة الاستخبارات كانت بمثابة الروابط المُتممة بقصد ضمان اعتماد رجال الدين السياسي على النظام ولضمان خضوعهم القسري لسياستهِ. إن ما فعلتهُ هذهِ المراكز لآيات الله من أمثال حسين علي مُنتظري، ومحمد شيرازي، وغيرهم من المعارضين المسجونين من المراجع المُقَلَدين، كان رسالة واضحة هدفت لترهيب رجال الدين بواسطة العواقب السيئة التي ستحل بالمعارضين لسياسة النظام وإزاحة البُنية المُزيف المُهيمنة.
 
كانت فترة الاربع سنوات لحكم محمود أحمدي نجاد التي أفضت إلى الأزمة الراهنة في البلاد بمثابة اختباراً جيداً لتقييم كفاءة هذا النظام الهيكلي التابع. لقد أظهرت الأربع سنوات الأخيرة أن الغالبية العُظمى من رجال الدين والمراجع المُقَلدين لا يعتبرون محمود أحمدي نجاد الرئيس المناسب للبلاد، ومقارنة بالرؤساء الآخرون ، لم يُقيم إلا علاقة هزيلة معهم. لقد انتقدوا سياسته أيضاً بشكل مباشر أو ضمني خلال الاربع سنوات تلك. ولكن عند هذهِ النقطة، وبعد تلاعب محمود أحمدي نجاد بالأصوات، وتَحَيّزْ المُرشد الأعلى في الدفاع عن هذا الانغلاب الانتخابي قد ربط مصير الجمهورية الإسلامية بمصير محمود أحمدي نجاد. ولهذا السبب، لقد اعتبر رجال الدين والسلطات الدينية معارضة سياسات محمود أحمدي نجاد المُخَرِبة خلال الحملات الانتخابية وبعدها بمثابة إهانة للنظام الديني. فهم يرفضون انتقاد محمود أحمدي نجاد لأنهم أما يخشون عواقبهِ الوخيمة أو يخشون خسران إمتيازاتهم أو أنهم يؤمنون حقيقةً بتفوق الحُكم الديني على الأنظمة السياسية الأخرى.
 
في الحقيقة يجب أن نُأكد على أن صمت رجال الدين عن الحوادث الأخير في البلاد وخضوعهم للقرار المستبد للمرشد الأعلى قد أظهر أن هذا النظام الهيكلي التابع، بالرغم من جِدتهِ عند مقارنتهِ لتاريخ المدارس الدينية ذي القرون العديدة، قد أثبت فاعليتهِ ووفقاً لأهداف من هندسوا بنائه. 
 


إنتهى