طلب منه احدهم أن يكتب رواية ضمن سلسلة يشارك فيها رجال الفلسفة والسياسة والاقتصاد. لم يُظهر حماساً للفكرة، بل إنه رفضها كلية لاعتقاده انه غير قادر على تأليف حوار.
عندما عاد الى بيته أخذت الفكرة تدور في رأسه، فقال في نفسه: “لم لا أجرب؟”. وشرع يفتش عن دفتر قديم كان قد دون عليه بعض الأسماء وبعض الأفكار لأحداث جرت في العصور الوسطى.
لماذا كان قد دون هذه الأفكار في ذلك الدفتر القديم؟ أكان يفكر في تأليف رواية قبل أن يقترح عليه ذلك الرجل الكتابة؟
إجابته كانت مخاتلة. قال: “كنت أدون تلك الأشياء للتسلية كما لو كنت أحل كلمات متقاطعة”.
ستحتل السخرية حيزاً ملحوظاً في كتابته الأدبية، ولكن لذلك ما يبرره من وجهة نظره، فالسخرية هي أسلوب قول الضد في ما هو سائد، لكن للسخرية دوراً أعمق، انها لا تثير الالتباس، لأنها تفترض ان الشخص الذي يتلقاها يعرف الحقيقة، لأنه لو كان جاهلاً بها، فهو حتماً لن يفهم مغزاها كسخرية.
من هنا كانت السخرية الأعمق هي التي لا تظهر. انها سخرية تتضمن الحقيقة ونقيضها، وهكذا تصبح وسيلة رائعة للتعبير ضمن استراتيجية فعالة، عندما تقول للغبي: “كم أنت ذكي!”، فالمعنى المقصود هنا يتجاوز اللغة، بحيث لا يعود الفهم اللغوي هو المقياس، فإذا استطعنا، عبر اللغة، أن نظهر السخرية، فذلك هو الخلق الكبير.
الحديث يدور عن الايطالي امبرتو ايكو الذي وضع على نفسه السؤال التالي قبل ان يكتب روايته الأولى، وقبل ان تعرف هذه الرواية النجاح: “هل أنا قادر على أن اكتب بعدها رواية ثانية، وإذا كنت قادراً، فماذا سيكون موضوعها؟”. لقد طرح السؤال لأن أحداث “اسم الوردة” تدور في العصور الوسطى، حيث كان هو منهمكاً بالبحث فيها، لذا فإنه اذا كان سيكتب رواية أخرى فما الذي سيجعله يكتب؟
مع الوقت اكتشف أن ذكرياته غنية، خاصة أيام مراهقته، وتلح عليه دوما مجموعة رؤى وبقايا أحداث. لم تكن هناك بالضرورة صلة بينها، ولكن مهمة الروائي هي إقامة هذه العلاقة من دون ان يبدو الأمر مفتعلاً. هكذا بدأ عنده الرهان ليدرك في ما بعد ان في الرواية شيئاً أشبه بالسحر، وأن الروائي أشبه بالحاوي.