ينقل رجب البنا حكاية مفادها أن حاكم هونج كونج منذ عدة عقود أراد أن يحاسب أحد كبار ضباط الشرطة الذي تورط في فضيحة فساد كبرى، فقرر الحاكم تشكيل لجنة مستقلة لمحاربة الفساد، ومن أجل ضمان استقلال وحيادية هذه اللجنة قرر أن ترفع تقريرها إلى الحاكم شخصياً وبشكل مباشر. كما قرر لأعضاء اللجنة مكافآت تزيد على ما يتقاضاها أمثالهم حتى لا يقعوا فريسة لإغراء الفساد، بأن يقوم المستهدفون بالتحقيق برشوتهم بمبالغ كبرى لضمان ألا يأتي التقرير لغير صالحهم، كما تضمن قانون تشكيل هذه اللجنة العليا استقلال أعضائها عن السلطة التنفيذية، وعدم جواز عزلهم أو نقلهم وحظر اشتغالهم في أعمال حرة أو مشاركة رجال الأعمال إذا استقالوا أو تركوا عضوية اللجنة لأي سبب.
القانون أعطى أعضاء هذه اللجنة سلطات كاملة للتحقيق والاتهام ومخاطبة الرأي العام بكل وسائل الإعلام لتوعية الجمهور برفض الخضوع لابتزاز الفاسدين من الموظفين والإبلاغ عنهم دون تردد أو خشية من بطشهم، ولكي يدلل الحاكم على حدية هذه الوقفة اختار لرئاسة اللجنة شخصاً معروفاً بالنزاهة والاستقامة وبعيداً عن الشبهات.
هذه الحكاية وردت أساساً في تقرير للبنك الدولي ساقها مثلا على ما يمكن للفساد أن يكون عليه من استشراء، بحيث انه حتى محاربته لا تعدو ممكنة، لأن أي جهاز إداري للتحقيق فيه لن يتمكن من بلوغ مهمته بالسهولة التي نظنها حتى لو كان أعضاء هذا الجهاز يتمتعون بالنزاهة والاستقامة وشرف الضمير.
لا تحتاج شرور الفساد إلى المزيد من الشرح، إنها آفة تعيق التنمية وتمثل تطاولاً على المال العام وانتهاكاً لحرمته. لكن من أبلغ ما قرأت في توصيف الفساد، تشبيه رجب البنا له بأنه مثل الانفلونزا، ولا علاقة للأمر بانفلونزا الطيور أو انفلونزا الخنازير الرائجة حاليا ،لأن هذا التشبيه أطلق قبل ظهور هذا النوع من الانفلونزا، لكنه بالغ الدلالة، ذلك أن الانفلونزا تملك إمكانية قلّ نظيرها في الانتشار والعدوى، وأكثر من ذلك فإنها تبدأ عادة باختراق الأجسام ضعيفة المناعة، شأنها شأن الفساد الذي يعم حيث يغيب القانون والرقابة الشعبية وشفافية الأداء المالي والإداري في الحكومات والمجتمعات. أورد هذه الحكاية لعل فيها لنا بعض العبرة وسط الحديث المتزايد هذه الأيام لمحاربة الفساد.