كان ينقص الضجة المثارة على خلفية موضوع تقاعد النواب، وتباين الرؤى والمواقف وكثرة الاعتراضات على مشروعية هذا التقاعد والتي اطلقتها قوى وأطراف عدة ربما كان رد فعلها حول الموضوع يمثل محصلة لمزاج عام محتقن ضد النواب وأدائهم الذي بقي دون مستوى الطموح الشعبي، وهذا أمر ليس عصياً على الإثبات. كان ينقص هذه الضجة والتراشقات الكلامية حول مبدأ تقاعد النواب ومشروعيته وأحياناً حول الحسبة التقاعدية، هذا التوجه الذي ظهر وكأن النواب لم يعد همهم الآن في الفترة المتبقية من عمر مجلس النواب، إلا أن يتساووا بالوزراء بروتوكولياً، فإن صح ما نشرته هذه الجريدة قبل أيام من “أن هيئة مكتب مجلس النواب تبحث القواعد التنظيمية المتعلقة بنظام المراسم الخاصة بالنواب فيما يتعلق بأماكن جلوسهم في الفعاليات الرسمية وطرق استقبالهم وسفرهم، فإن ذلك كفيل بأن يشجع على الإيغال في حمى الجدال إلى ما هو أبعد من حدود هذا الموضوع أو ذاك، وأحسب أن الأمر في الحالتين يفتح الباب للنقاش الواسع حول دور مجلس النواب على ما فيه برأينا من علات ومآخذ، وأيضاً حول المكاسب والمغانم التي حققها بعض النواب. يجب الإقرار أولاً بأحقية أعضاء مجلس النواب في البحث عن كل ما يعزز مكانة وهيبة ودور المجلس كمؤسسة تتمتع بما يمكن تسميته الولاية العامة في تمثيل الشعب ومصالحه، وهي ولاية دستورية مباشرة تشريعية وسياسية ورقابية، ومن حق مجلس النواب أن يعمل على أن يعامل رئيسه بما يوازي بروتوكولياً رئيس السلطة التنفيذية على غرار ما هو معمول به في معظم الدول التي لمجلسها النيابي هيبة ومكانة ودور فاعل في الحياة السياسية، ولكن الأمر الجوهري أن البحث في مسألة إرساء هذه الهيبة والمكانة والدور لأي مجلس نيابي يجب أن يفهم بأنه هدف لا يتحقق إلا حينما تتعزز صلاحيات هذا المجلس دستورياً، ويكون النواب في معزل من أن يكونوا نواباً ينشغلون ويشغلون بهموم صغرى، أو نواب خدمات ومناطق ودوائر، أو نواباً لا هم لهم إلا المجاملات ومقابلات الوزراء لتعيين فلان، ونقل علان، وترقية زيد، أو إخراج قريب أو تابع من الحجز، أو إنجاز معاملات استثنائية أو الدخول في ماراثونات استنفاع واسترضاء بعض المسؤولين والوزراء في ممارسات نيابية غريبة تتم من تحت الطاولة كتلك التي كشف عنها مؤخراً النائب السابق يوسف زينل حينما كشف عن تلاعب بعض النواب فيما يخص السؤال البرلماني والاستجواب البرلماني اللذين يعدان من أهم أدوات المساءلة والرقابة البرلمانية، وأوضح من واقع تجربته البرلمانية في الفصل التشريعي الأول أن “بعض الأسئلة البرلمانية كانت مملاة من بعض الوزراء الموجهة لهم من أجل إيصال رسائل معينة أو إظهار أعمال وإنجازات الوزير أو للبهرجة الإعلامية وذلك مقابل مصالح خاصة للنائب أو حتى بدافع المحسوبية والمعرفة الشخصية بالوزير، فيما أخذت الاستجوابات منحى مذهبيا وطائفيا، اضعف الدور الرقابي للمجلس النيابي”. ذلك كلام من الغريب أنه قوبل بصمت مريب ومر مرور الكرام دون أن يعلق عليه نائب حالي أو نائب سابق، واذا كنا نعلم علم اليقين أن فريقاً مؤهلاً وموثوقاً ربما في سياق التحضير “لمعمعة” الانتخابات المقبلة يعكف منذ مدة على اعداد كشوفات بأسماء كل النواب الذين حصلوا على منافع شخصية لهم ولأقربائهم من الدرجة الأولى أياً كان نوعها، وكذلك النواب الذين توسطوا في معاملات، أو تدخلوا في تعيينات وترقيات على حساب مبدأ الكفاءة والأحقية، أو انخرطوا في إنجاز معاملات استثنائية لهم أو لأقاربهم من الدرجة الأولى، فإن هذا جهد لا شك أنه يأتي في سياق جهد أكبر يرصد كل ما طرح على الساحة النيابية من استجوابات وأسئلة ومبادرات ومشاريع وأعمال برلمانية أخرى، إلى جانب رصد أعمال لجان مجلس النواب من حيث اكتمال النصاب فيها وتباعد عدد اجتماعاتها ومدى إنجازها للموضوعات المعروضة عليها، وكذلك مشروعات القوانين المقدمة وأسلوب وآليات تقديمها والتسابق عليها من باب تسجيل المواقف، وكذلك الأسئلة البرلمانية ومتابعتها، والاقتراحات برغبة وتدقيقها وتقييمها وكذلك حضور الجلسات والغياب عنها والخروج أثناء التصويت والمواقف والمواضيع والمناقشات التي تلفعت بشكل أو بآخر بنفس طائفي أو مذهبي من قبل كل الكتل النيابية دون استثناء، كل ذلك جهد استثنائي مطلوب وملح لاسيما ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية قريبة. إن المواطن خاصة أمام ما يلمسه من ظاهرة “التمسك بالمقعد البرلماني” بصورة مثيرة للدهشة والسخرية في آن واحد في حاجة حقاً لكي يقف على حقيقة أداء كل نائب بصورة موضوعية، لعل ذلك يعالج لاحقاً مواطن الخلل في الأداء البرلماني والأداء الحكومي على حد سواء. بقي التأكيد على أن القوى الوطنية المخلصة التي تؤمن بدور المجتمع المدني في الرقابة على أداء مجلس النواب، وأداء وتقييم كل عضو فيه، أن تؤمن بأن مثل ذلك الجهد يجب أن يحظى بكل دعم ممكن، بل على هذه القوى أن تفعّل دورها في هذا الخصوص وأن على الجمعيات التي ترى نفسها معنية أن تبادر من الآن إلى تشكيل اللجان وفرق العمل الخاصة بها لمتابعة ورصد العمل البرلماني، وعلينا أن نعلم أن بعض الدول بما فيها الكويت تأسست فيها لجان وطنية تولت مثل تلك المهام والمسؤوليات وقامت بعمل لافت في هذا المجال، إنه جهد لابد أن نمضي نحوه والسير في مساره الصحيح، لعل ذلك يكون رافداً لمواصلة عملية الإصلاح المنشود في العمل البرلماني في المجلس القادم.
صحيفة الايام
3 يوليو 2009