يُلفت النظر في تصريحات بعض من يتصدون لملف ضحايا القمع في مرحلة قانون أمن الدولة وكذلك بعض الناشطين السياسيين التركيز على تسوية ملف من تعرضوا للأذى المعنوي والجسدي في عقد التسعينات فقط، للدرجة التي تجعل المرء يتساءل ما إذا كان القمع محصوراً في تلك الفترة، أو أن التاريخ السياسي والاحتجاجي في البحرين بدأ في التسعينات فقط، وقبل ذلك لم يكن هناك من طالب بالعدالة والحرية والتقدم والديمقراطية وناضل من أجلها، وقدم في سبيل ذلك من التضحيات الشيء الكثير: سجناً وتعذيباً وتشريداً واستشهاداً أيضاً.
ولسنا في وارد التقليل قيد أنملة من التضحيات التي قدمت في عقد التسعينات، فذكرى من قدموا حياتهم في سبيل الديمقراطية أو عانوا من السجن والمنفى في هذا العقد الأسود، الذي تخطيناه بفضل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، محفوظة ومُقدرة في ذاكرتنا الوطنية، لكن اختزال تاريخنا الوطني في هذه الحقبة بالذات فيه نكران كبير لتضحيات أجيال مختلفة من المناضلين.
بل انه حتى مطالع التسعينات ذاتها التي يجري عنها الحديث كانت كوكبة من مناضلي جبهة التحرير الوطني يقضون عقوبة السجن لمدة خمس سنوات التي صدرت في حقهم في عام 1986، في نطاق حملة اعتقالات سقط شهيداً فيها رفيقنا الدكتور هاشم العلوي، وبعده بسنوات قليلة رحل في المنفى بصورة فاجعة رفيقنا الآخر المناضل العمالي عزيز ماشالله، الذي اعتقل في ذات العام ونُفي عن وطنه.
وتاريخ النضال الوطني في البحرين الذي جُوبه بالقمع الشديد يمتد إلى خمسينيات القرن العشرين، وهناك قائمة تطول من ضحايا هذا القمع طوال عقود من مختلف التيارات الوطنية، التي بفضل تضحياتها راكم شعبنا خبرة نضالية وسياسية مهمة.
والمسألة في الحقيقة لا تقتصر على طريقة التعاطي مع ملف ضحايا القمع، وإنما على مجمل النظرة لتاريخنا الوطني، ذلك أن جيلاً جديداً نشأ وينشأ وهو لا يعرف إلا أقل القليل عن مجمل التاريخ الوطني لشعبنا وتضحياته، معتقداً أن النضال في البحرين لم يبدأ إلا في التسعينات.
وفي ذلك تشويه كبير لهذا التاريخ، يتطلب مثابرة من أصحابه، في المقام الأول، للتعريف به، ليس فقط من زاوية التضحيات التي اقترنت به، وإنما أيضاً من زاوية الخط الوطني الجامع والأفق الديمقراطي والتقدمي الذي أشاعه في المجتمع، والذي تحت رايته انبثقت أشكال التعبير والثقافة والفنون في افقها الديمقراطي والإنساني الذي ميز البحرين، فمن عباءة التنظيمات الوطنية والتقدمية خرج مبدعون كبار مثل قاسم حداد وعبدالله علي خليفة وعلي الشرقاوي ومجيد مرهون وسعيد العويناتي وخليل الهاشمي وخالد الهاشمي وسلمان زيمان وهدى عبدالله وغيرهم الكثير.
وما يقال عن الثقافة يقال عن الحركتين النقابية والعمالية التي اقترنت بتضحيات علي مدان وعبدالله مطيويع وعباس عواجي وحميد عواجي ومحمد المرباطي والمئات من الكوادر العمالية التي ناضلت وضحت في صمت، في سبيل نيل ما بلغته حركتنا العمالية اليوم من حقوق.
إن المعالجة الوطنية الشاملة لملف ضحايا القمع في مختلف المراحل هي رد اعتبار لمناضلي هذا الوطن ولمبدعيه ورموزه ومثقفيه الذين صنعوا مجد البحرين، وطافوا العالم حاملين اسمها.
صحيفة الايام
1 يوليو 2009