في ظل هذه النتائج المخيبة للآمال لتيارات داخلية وقوى خارجية يولد السؤال القديم – الجديد. لماذا الرهان على انتصار قوى أخرى خارج النظام في ظل نظام انتخابي من هذا النمط؟ هل بإمكان أي نظام انتخابي أن يكون نزيها وعادلا وموثوقاً في مصداقيته دون وجود رقابة دولية؟ لماذا تخاف الدول الواثقة من نظامها الداخلي من وجود مرجعية دولية للإشراف الانتخابي؟ لماذا تنتظر النجاح القوى المضادة للباسيج والمحافظين في ظل زمام أمور غليظة ومتشددة وميليشيات مسلحة مدربة ومصانة من السلطات؟ ما فائدة معارضة سياسية لا تمتلك حقوق كاملة دستوريا وانتخابيا ومحاصرة قضائيا وروحيا؟ هل بإمكان الإصلاحيين أن يحسموا الوضع الداخلي الإيراني عن طريق الإعلام وحده؟ ما فائدة طهران وحدها في معركة انتخابية وسياسية؟ هل بعد هذه النتائج المحبطة للآمال وخيبة الأمل الكبرى بإمكاننا القول إن مشروع مجاهدي خلق هو البديل لصناديق الاقتراع؟ مثل هذا السؤال يولد مع كل هزيمة سياسية وسلمية خاصة بين أوساط الشباب «الذين بلغ بهم الإحساس باليأس في تغيير النظام من داخله بطريقة انتخابية» فكل مشاريع محمد خاتمي السابقة وأفكاره خذلته بعملية الارتطام الصخري وتدمر الوعي المجتمعي في إيران بحقيقة واحدة ولدت مع أكثر من دورة انتخابية برهنت فيها المرجعية –والمفترض فيها الحياد التام– ميولها البارزة مع تيار المحافظين وان رددت قولا بأنها لا تتدخل في مثل هذه الشؤون الانتخابية غير إن الاتجاه العام والخطب والاستشارات وترديد بعض الجمل كلها توحي «بأنها مع الخط الرسالي مع الثورة الإسلامية» والتي برزت مع صعود نجاد الذي ركز على استنهاض النفور الثوري للثورة الخمينية والتي مع مرور الوقت أصيبت بنوع من التراخي وكان الاصطلاحيون هم وجهها الجديد البشع. مثل تلك التوصيفات المستمرة للإصلاحيين والغرب والإعلام العالمي بات صبحا ومساء بمثابة «الصلاة السياسية للساسة وإعلام المحافظين» والتهمة الجاهزة لكل المناهضين لطبيعة النظام السياسي. لقد صب المرشد الأعلى في خطبته الزيت على النار «حاسما بالقول الفصل انتصار احمدي نجاد كممثل للشعب الأكثر نقاء سياسيا للثورة ورسالتها التاريخية» بتلك الخطبة ثبّت أركان احمدي نجاد كرئيس للدورة الثانية مسدلا الستار على مسرحية بدت أكثر ضياعا وانفعالا وخيبة أمل لمن توقع أن إيران نضجت للخروج من شرنقة وهيمنة نظام روحي يتلبس العصرية ويمضي بنهجه وطريقته في صناعة التاريخ!! هكذا يتوهم الخصوم انتصاراً سريعاً وهكذا يتوهم النظام السائد انه ابدي في موقعه وسطوته وجديد في ديمقراطيته الخاصة والخالصة بنقاء تاريخ لم يدنس من الغرب الملوث بانتهاء الأخلاقية. من يفكك جمل الخطب ويغوص فيها «ومن جوانبها الإيديولوجية» يصل في نهاية استنتاجه إلى مسألة مهمة تتعلق بفكر هذا النظام وروحه وبأنه يشق طريقا خاصا به وسيكون درسا للشعوب والعالم. إذ تصبح ديمقراطية الباسيج والمليشيات المتربعة على أعناق الناس وصوتهم هي التعبير الحر والجديد عن تلك الديمقراطية المثلى!! «وكل نقد يأتي من الخارج لن يكون إلا صوتا معاديا ومتآمرا وكريها ويحفر لهدم النظام وإنهائه». بهذا الحكم العام والاجتماعي على النقد والحقيقة للداخل الإيراني «تتحول الشعوب وأقلامها الحرة» إما أنها مضادة للثورة أو أنها معها بشكل أعمى ودماغ مغسول وظيفته إعادة ترديد الهتافات وتعبئة الشارع المتوتر بروح العداء المستبطن والمتحفز. في يوم خطبة الجمعة التاريخي للمرجع الأعلى تحولت طهران إلى «ساحة اسبانية» ولكنها بخرق خضراء «محاطة بجمهور هائج ومستعد للذهاب بعيدا» دون أن يلتزم الجميع الصمت ويستحكمون للعقل والمنطق ودون القبول بمؤثرات أخرى مهما كان حجمها ومرجعيتها ولكن الثقافة والتربية الإيرانية التي تشبع بها الجيل الثالث والرابع من ولادة الثورة الإسلامية؛ انقلب إلى «آلة إنسانية» يعاد تشغيلها وشحنها بطريقة ميكانيكية «حتى طريقة الانتخابات لدى الجانبين تؤكد على أن خيارات الانتخابات كانت دعائية محضة وترتكز على تضخيم الحقائق وإخفاء الحقائق بحجة مفردة الأعداء» فيما راح أنصار مير حسين موسوي يرقصون منتشين بحماسهم الشبابي وضغوطاتهم الاجتماعية «أكثر من وعيهم السياسي» وإبراز حاجتهم لمزيد من الحريات الشخصية والحياتية «فليس في نية أنصار موسوي ولا وعيهم العميق يبرز إدراكا لمعنى تجذر الإيديولوجية الدينية الراسخة في بنية نظام متسلط على شخصيتهم الروحية والفردية» بل ويجرهم إلى سياسات خارجية وعزلة دولية تؤثر على تطلعاتهم وعلاقاتهم بالمجتمع الدولي. كل ما يسعد الشباب هو ذلك الإطار الحضاري المعاصر. فما يبرزه الشارع السياسي في لحظة تاريخية ما قد يكون انعكاسا مشوها في مرآة مهشمة ومفتتة إلى فسيفساء.