لو جلنا بنظرنا في الفضائيات العربية لوجدنا أن أكثرها صيتاً وتأثيراً ومشاهدة هي فضائيات خليجية، أو ممولة بالمال الخليجي. ويمكن سوق الأمثلة الكثيرة على ذلك، فعلى الصعيد الإخباري هناك قناة «الجزيرة» القطرية، و«العربية» السعودية التي تبث من دبي ضمن شبكة إم. بي .سي التي تنضوي تحت مظلتها عدد من القنوات المنوعة، ويمكن قول شيء مشابه عن قنوات «أي آر تي» و«أوربت»، بل أن المال الخليجي أصبح شريكاً في عدد من الفضائيات اللبنانية الشهيرة وحتى المصرية. وبطبيعة الحال فان هذه الفضائيات ليست موجهة للجمهور في بلدان الخليج فقط، وإنما هي تخاطب الملايين من العرب في المشرق وفي المغرب، وفي المهاجر أيضاً. وما يقال عن المحطات التلفزيونية يمكن أن يقال عن الصحافة، فكبريات الصحف العربية ذات التوزيع الواسع مملوكة لرأسمال خليجي، وفي الكويت والإمارات تصدر عدد من الصحف المرموقة ذات المستوى المهني والتقني العالي. وحتى في البحرين، على صغر مساحتها وإمكانياتها المادية الأقل قياساً بنظيراتها الخليجيات، فان هناك فورة صحافية في شكل إصدارات جديدة للصحف، وهي ظاهرة أعلت من سقف الحريات الصحافية والإعلامية عامة. لكن يظل السؤال: الى أي مدى أدت هذه النهضة الإعلامية عامةً في النهوض بالوضع الثقافي، وأسهمت في تقديم الخدمة الثقافية المنتظرة منها؟ الحق أن هذا الانفجار الإعلامي الواسع، الذي يسرتهُ الوفرة المالية الهائلة في بلدان المنطقة، والرغبة في محاكاة الإمبراطوريات الإعلامية في عالم اليوم التي تعتمد الاستثمار في الإعلام شكلا ًمن أشكال صنع الثروة، لا يمكن له إلا أن يضع متطلبات الاستثمار والسوق، بالاعتماد على الإعلان مصدراً رئيسيا لتحقيق الأرباح، والسعي لاستقطاب المشاهدين والمتلقين عن طريق البرامج الترفيهية والغنائية والرياضية بطبيعة الحال التي لها من التأثير، ما جعل الكثير من المحطات تخصص لها قنوات مستقلة. في كتابه: «عصر الجماهير الغفيرة» يلاحظ الباحث الرصين د. جلال أمين، أن أصل الظاهرة التلفزيونية التي تجتاح منطقتنا كما تجتاح مناطق أخرى، يعود إلى شيوع الثقافة الاستهلاكية التي يرى أن مصدرها الأساسي هو الولايات المتحدة الأمريكية، وهو هنا لا يقدم خطاباً هجائياً، وإنما تحليلاً موضوعياً، فهو لا يقلل من شأن الانتقادات التي وجهت لهذا النوع من «الثقافة»، لكنه يدعونا أن ننظر إلى هذا النمط على انه استجابة لمتطلبات الرجل العادي والمرأة العادية أو الرجل المتوسط والمرأة المتوسطة أو بعبارة أخرى استجابة لمتطلبات الجماهير الغفيرة. يسعفنا هذا على تتبع ما تقدمه أجهزتنا الإعلامية، وفي مقدمتها التلفزيون. فهي تقدم الثقافة الخاصة بها، ثقافة الإنسان العادي أو المتوسط، ولأن أكثر القنوات مشاهدة ليست تابعة للحكومات، لأن الناس تنفر عادة من مثل هذا النوع من القنوات لفجاجة ترويجها للخطاب الرسمي، فإننا لا ننتظر من محطات خاصة قائمة على مفهوم الربحية والنظر إلى الإعلام بوصفه حقلاً استثمارياً بامتياز، أن تقدم المنتوج الثقافي أو نماذج الثقافة الرفيعة، فمثل هذه المهام مناطة بإعلام موجه من الدول، إذا كانت هذه الدول تملك استراتيجيات للتنمية الثقافية. وهذا هو السؤال الكبير.