منحت الأجهزة الإعلامية الخارجية مساحة كبيرة للانتخابات الإيرانية إلى جانب المساحة التي وجد فيها المتنافسون أنفسهم يتحركون وبشكل مبكر لحملتهم قاربت الشهور الثلاثة ’ بينما زاد إيقاعها الأسرع في العشرين يوما قبل موعد لحظة الاقتراع. من تابع تلك الأخبار وجد صورة مغلوطة تخفي حقيقة واحدة وهي أن الناخبين وحدهم هم من يعيشون في طهران فيما مرت العدسة على المناطق الأخرى بشكل عاجل كمدينة قم وتبريز وشيراز ’ فيما اختفى من المشهد ناخبو الأحياء الفقيرة والريف الإيراني الواسع ’ الذي يعكس ملايين الناخبين وهم في غالبيتهم فقراء إيران ’ والذين اقرب لتبعيتهم وقرارهم للمرجعية العليا وقرارها ’ وكان من البداية تلويح المرجع الأعلى يميل في التصويت إلى إعادة الرئيس نجاد إلى سدة الحكم. ومن كانوا اقرب إلى مراكز وصناع القرار حسموا موقفهم أيضا من قبل أن تبدأ المسألة الانتخابية لكونهم لا يميلون إلى مير حسين موسوي ولا غيره بمثل ما هم على قناعة تامة إن الرئيس نجاد هو وحده من يترجم السياسات العليا وتوجهاتها الرسالية للثورة ولا يمكنه أن يحيد عنها فقد عبر عنها بكل وضوح قبل أن يكون في دفة السلطة حتى وصوله إليها . فلماذا كان الغرب يأمل بحماس على كتلة صامتة ربما تخرج هذه المرة لحسم الخيار الإيراني الجديد للإصلاح؟ لماذا راهن الغرب وغيره من العالم على حصان طهران ونخبة المثقفة وطلاب الجامعات فيها والقادمون غالبيتهم من طبقة وسطى وبقايا أثرياء الحقبة الماضية في شمال طهران ’ متناسين إن 40 مليونا من الناخبين هم وحدهم من يحسمون صناديق الاقتراع وليس الخمسة عشر مليونا في طهران ’ وهم الموزعين بين أجزاء إدارية وجغرافية أربعة في طهران ومتباينة اجتماعيا وطبقيا في طبيعتها الانتخابية. كان واضحا الاندفاع الإعلامي الغربي في التعبير عن ميوله الخفية تارة والعلنية تارة أخرى في الرغبة بنجاح الإصلاحيين ’ وان كانوا على خطوة متباعدة للخلف باحتمال عودة المحافظين ’ إذ ربما في الجولة الثانية من رئاسة نجاد هناك انعطافة في السياسات الدولية المقبلة ’وقد كان صعود اوباما ورسائله المبكرة قبل الانتخابات واضحة برغبته إعادة العلاقات مع إيران وطي صفحة التوتر القديمة والجلوس مجددا على طاولة الحوار ’ فخطاب اوباما مكررا في جامعة القاهرة كان في جزء كبير منه موجها إلى مركز إسلامي هام وليس الحلفاء وحدهم ’ فمن الضروري أن تصل الرسالة واضحة إلى عالم إسلامي واسع تشكل إيران احد أركانه الهامة. من راهنوا على شباب الجامعات وصبية المدارس الثانوية وأبناء النعمة نسوا قراءتهم لخارطة سياسية أوسع للناخبين ’ فعاشوا بنوع من الأمل الكاذب والتقارير التي روجت لأحلام مرحلة ’’ رغبها العالم وليس الحقيقة التي عليه أن يعرفها ’’ عن الواقع الإيراني الجديد ’ عن رعيل رابع ترعرع مع ثقافة الثورة وتشبع بروحها في مؤسسات عدة ابتداء من الحضانات الأولى حتى الجامعات الكبرى ’ فخلقت لديه نمط من روح الكبرياء والاعتزاز القومي . لا يمكن لأي مراقب أن يراهن على وجود ظواهر اجتماعية كالفقر والفساد والجريمة لبلد شاسع وكبير ومتناقض محاط بسلسلة من الخصوم وحلقات الأعداء ’ أن يتوهم إن تلك المؤشرات وحدها كفيلة بإسقاط نظام ’ فأدوات إسقاط النظام في إيران ما زالت غائبة ومؤشرات تآكل وتفكك بنية النظام لم تتعمق لا في البنية الفوقية ولا في القاعدة. فلماذا نفرح فقط لكوننا لسنا مع النظام لكي نحدد معالم نجاح فئة أو تيار نوده بدلا من تيار نعاديه . من يحدد الخيارات التاريخية في الثورات والانقلابات والتغيرات الكبرى طبقات وفئات تمتلك أدوات ذلك التغيير خاصة في دول العالم النامية ’ حيث المؤسسات والقوة القابضة كالجيش والأمن والقضاء والإعلام والعمال والفلاحين ونساء الريف والموظفين الصغار يشكلون قوة مهمة في الثقل الاجتماعي ’ وهؤلاء جميعهم ما زالوا في صف المرجعية ومراكز صنع القرار والرئيس ’ والذي عزز من مكانته في السنوات الأربع الماضية في مجتمع يهمه مثالية الرئيس الأخلاقية ونمط عيشه وتوجهات المجتمع والحكومة في معالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي باستمرار. ما تنفخ فيه سموم إسرائيل وسياسة بوش الراحلة حول رعب التجارب النووية ’ علينا بعدم السقوط في وهمها بتلك السذاجة السياسية ’ دون أن نقع في الجانب الأخر بذلك التبسيط السياسي بتوازن القوى الإقليمي والدولي للدور الإيراني في منطقتنا ’ وبضرورة بحثنا كدول مجلس تعاون خليجي عن سياسة سلام دائم وحسن جوار وتحسين علاقات مستمرة وزاخرة بالتبادل الاقتصادي والمعرفي ’ إذ من ينفخون في نفير الحرب المدمرة من بعيد لن يصيبهم لهيبها ’ ووحدهم من سيحترقون هم بلدان وشعوب المنطقة ’ وعلينا أن نتعظ من حروب أحرقت المنطقة وبلعت من مخزونها المالي ودمرت وضعها البيئي لعقود قادمة . أصدقاءنا في الغرب يحاورون إيران من وراء ظهورنا ويدفعوننا إلى مقدمة المدفع فهل نحن وحدنا من أصيب بخيبة الأمل الكبرى أم هم أكثر منا ؟
صحيفة الايام
28 يونيو 2009