تحليلات سياسية كثيرة تناولت الاحداث التي شهدتها ايران بعد الانتخابات الرئاسية بعض هذه التحليلات كان منطلقاتها قومية بحتة، لا ترى في ايران الا دولة فارسية معادية للعرب والبعض الآخر كانت الطائفية منظاره الوحيد، في حين اعتقد بعض المثقفين العرب وخاصة الثوريين منهم ان ما حدث في ايران مؤامرة امريكية – اسرائيلية لزعزعة اركان النظام الايراني الصامد في وجه سياسة الاستسلام والتهاون مناصرة لفلسطين والفلسطينيين والقضايا العربية العادلة وبالتالي احمدي نجاد هو الرئيس الفعلي والشرعي المنتخب، اي المبرر لهذه الرؤية هو ان السياسة الخارجية الايرانية تنسجم مع القضايا العربية حتى لو كانت السياسة الداخلية كما يشاهد العلن وبمنأى عن هذه الآراء والتحليلات يمكننا القول: ان الازمة الايرانية ليست ازمة انتخابات جرى تجييرها لصالح احمدي نجاد فحسب، بل هي ازمة نظام سياسي مضاد للحرية والديمقراطية والتعددية.. ازمة حقوق مدنية ودستورية.. ازمة سلطة سياسية ألغت كل السلطات واختزلتها في سلطة واحدة وبعبارة اخرى ان الايرانيين الذين خرجوا الى الشوارع في مظاهرات ومسيرات عمت اغلب المدن الايرانية لم تكن مطالبها فقط إلغاء نتائج الانتخابات دعماً لموسوي والتيار الاصلاحي عامة، وانما ايضاً تعبير عن رفضها لمعاناة اغلبية الشعب الايراني في احدى الدول النفطية الغنية من شدة الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي باتت اكثر تردياً منذ قيام الثورة الاسلامية الايرانية عام (1979) وبالتالي فان الحقيقة التي يجب ان يقبلها النظام الايراني على نطاق واسع هي ان الاحتجاجات الشعبية وباختصار اهم دوافعها الحريات والفقر والبطالة والامية والبطش. هل ما حدث في ايران بداية للتغيير؟ سؤال في غاية الاهمية.. سؤال يراود كل القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في داخل ايران او خارجها، يرى كثيرون ان الرهان على الاحداث الايرانية رهان خاسر وهذا الاعتقاد يبقى صحيحاً ومع ذلك لا تنفي حقيقة الصراع الحاد بين القوى الديمقراطية والتقدم الاجتماعي وبين المحافظين، ومع تفاقم التناقضات يمكن القول: ان الازمة الايرانية مستمرة بغض النظر عن انواع العلاجات والمسكنات، وقد يتخذ هذا الصراع صوراً عنيفة وهادئة وفقاً للظروف الذاتية والموضوعية، ولكن ما يهمنا هنا ان هذه الاحداث جاءت كنتيجة لتراكمات ربما هي بداية لمتغييرات ايجابية عميقة قادمة لان طريق الديمقراطية والعدالة هو حتماً طريق صراع في نهاية المطاف يغير ميزان القوى الاجتماعية والسياسية. وعلى هذا الاساس نعتقد ان رياح التغيير قادمة. مرة اخرى يخطئ من يعتقد او يظن ان خروج ايران من ازمتها الحقيقية يتمثل في إلغاء الانتخابات، لان ازمتها كما اوضحنا سلفاً هي ازمة خبز واوضاع معيشية واسكان وتعليم وعمل ومساواة وكذلك ديمقراطية لايزال النظام هناك يعتقد انها بضاعة غربية غير صالحة لا لايران ولا للدول الاسلامية. ومن هنا كل الاساليب في مواجهة المتظاهرين بحسب وجهة نظر النظام انهم عصاة متآمرون خارجون على القانون يهددون الاستقرار مناهضون للحكم ويحضون على كراهيته وازدرائه ويحرضون على مقاومة السلطة. اذن جوهر الازمة الايرانية اوضاع معيشية واجتماعية وحقوق وديمقراطية.
صحيفة الايام
27 يونيو 2009