التكهن بمستقبل التطورات الإيرانية ليس سهلاً، رغم الانطباع الذي خلفه، في البداية، خطاب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي بأنه وضع الخاسرين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام خيارين لا يقل احدهما مرارة عن الآخر. حاول المرشد الأعلى احتواء الأمر، من واقع نفوذه القوي، كونه السلطة الأعلى في إيران، فقال، موجهاً خطابه للفريق الخاسر: إن الجميع، فائزين وخاسرين، هم أبناء الثورة، ثم سعى لاستمالة وتحييد بعض رموز هذا الفريق، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفنسجاني، من خلال الدفاع عما اعتبره نزاهة شخصية فيه، وتاريخاً نضالياً له. فيما وضع مير حسين موسوي الغريم الأول لنجاد أمام التحدي الكبير: إن كررتَ الدعوة للمسيرات والاحتجاجات فستكون مسؤولاً عن إراقة الدماء، وستقدم خدمة لأعداء الثورة في الخارج والداخل، دون أن ينسى التأكيد على أن نجاد هو الأقرب إلى خطه السياسي والفكري، في رسالة واضحة وقاطعة فحواها: نجاد يحظى بدعمي. لكن كلمات المرشد الأعلى رغم براعتها ورغم فعل السحر الذي تركته في نفوس المحتشدين أمامه في خطبة صلاة الجمعة الفائت، لم تفلح في مداواة المجتمع من الانقسام العميق الذي بلغه، خاصة وأن نواة هذا الانقسام موجودة في قاعدة ومريدي الجمهورية الإسلامية بالذات، وان كانت صفوف المحتجين قد استوعبت كل الناقمين على النظام وخصومه. وعلى خلاف ما توقعه المرشد الأعلى فان مير حسين موسوي لم يرضخ لتهديده، وإنما اختار التحدي، دافعاً بالأمور مستوى جديداً، حين قال انه مستعد للشهادة في سبيل ما يطالب به، ليعطي بذلك دفعة حماس قوية لمريديه ولدعاة التغيير عامة. والحق انه ليس أمام قادة الاحتجاج على نتائج الانتخابات وفي مقدمتهم موسوي سوى خيارين: إما الانصياع لرغبة المرشد الأعلى التي اتخذت طابع التهديد، فيكفوا عن الدعوة للمسيرات والتجمهر والتحريض عليها برغبة الحفاظ على السلم الأهلي، ويفقدوا بالتالي صدقيتهم أمام جمهورهم الغاضب، أو الاستجابة لعاطفة وحماس هذا الجمهور، ليجدوا أنفسهم في مواجهة دامية مع القوى الأمنية للنظام المتأهبة لسحقهم، واختار موسوي الخيار الثاني ليبدو بذلك متسقاً مع إرادة الذين انتخبوه، والذين يصرون على أن إرادتهم قد زيفت، لما يعتقدونه من حصول تزوير في الانتخابات. لكن الأمر تخطى الآن مسألة الانتخابات، ليصبح متصلاً بمستقبل البلاد السياسي وآفاق التطورات فيها، فإيران دخلت فصلاً جديداً حاسماً من تاريخ تطورها السياسي والاجتماعي منذ أن سقط النظام الإمبراطوري، وقامت الجمهورية الإسلامية فيها. ومع التسليم بأن لدى النظام من وسائل القوة والتأثير ما يجعله قادراً على مواجهة غضب الشارع إما بالقوة، أو بالرهان على التآكل التدريجي لهذا الغضب تحت تأثير الزمن، والوهن الذي سيدب في صفوف قادته. ولكن هذا يظل مجرد احتمال، مهما كان جدياً وقوياً. فهناك احتمال آخر لا يقل قوة وجدية، هو أن تستمر فورة الغضب الراهنة تحت ضغط الشعور بأن النظام بعد ثلاثين سنة من عمره قد شاخ، وهي فورة ستحظى بعطف وتأييد واسعين في الخارج، بالنظر لحساسية وضع إيران في المعادلة الدولية والإقليمية، وهنا بوسعنا القول إن باب المجهول قد فتح.
صحيفة الايام
23 يونيو 2009