تتعلم الطبقة العاملة والموظفون وكل الشرائح الاجتماعية والمهنية من تجاربها الذاتية واليومية، وتتعلم عن مدى حاجتها الفعلية للتضامن العمالي والمهني لكي تقطع الطريق على أولئك الذين يتخذون قرارات تعسفية تحرم الناس لقمة عيشهم وتهد جدران بيوتهم وتدخلهم في أزمات حياتية كثيرة كالديون والنفقات. مثل تلك القرارات التعسفية لا يمارسها إلا رأسمال أجنبي تعلم منه أحيانا الرأسمال المحلي النظر فقط لمصالحه البحتة متناسيا ومتغافلا عن تلك المصالح الوطنية العامة للاقتصاد والدخل الوطني والشخصي للناس. ما تعلمه الشارع البحريني خلال فترة مشروع الإصلاح من أمور كثيرة بعد أن شهد وتعلم ما معنى الحرية، حرية التعبير والدفاع عن حقوقه المدنية والتي أخذت طريقها بشكل واضح وعلني يوم أن ولدت الطبقة العاملة البحرينية حقائق جديدة على ارض الواقع بتعلمها ماذا يعني إجازة يوم العمال والاحتفاء بذلك اليوم؟ وماذا تعلم عمالنا من تجربتهم التاريخية والعالمية من تضحيات والآم. اليوم لا نحتاج للعودة لتلك الآلام حيث بدت القوانين والتشريعات واضحة تدافع عن حق المواطنين في وطنهم وبضرورة عيشهم بكرامة، وهذا ما نادى به جلالة الملك في الكثير من خطبه ومراسيمه ورسخها الميثاق والدستور، فيما راح التلاعب الإداري لبعض البنوك والشركات يسوغ ويصوغ أفكارا ملتوية وحججا حمقاء لا يهمها إلا الأرباح أولا وأخيرا، وحالما تلوح في الأفق أزمة مالية عالمية هنا أو هناك تكون القائمة المعدة سلفاً جاهزة لكي تخرج من أدراجها في توقيت ملائم يتسق مع رياح ومناخ الأزمات، ولكنها في رداء مضخم أكثر مما ينبغي ويحتمل، وكأنما البحرين صارت حقلا من حقول الاستنزاف الرأسمالي القديم ولما قبل حقبة الاستعمار والفترات الصعبة. فهل يستيقظ عمال المصارف من سباتهم لكي يدركوا أنهم قوة ضاربة متى ما نظموا صفوفهم في وحدة وتضامن؟ فهناك عدة عوامل عليهم إعادة النظر فيها لحماية مستقبلهم ومستقبل أولادهم في وطن من حقهم الدفاع عنه وعن مصالحه شريطة أن يكون الوطن ملكهم وملك كرامة قدمها لهم الميثاق والدستور. ما يحتاجه عمال المصارف والذين يعدون بالعشرات والمصابين «بداء الاسترخاء والفردية والخوف والانكفاء» أن يعيدوا النظر في فهمهم لمعنى العمل النقابي والذي ليس معنيا بكل فهم ضيق للايدولوجيا، فكل فرد حر في أفكاره ولكنه حينما يصبح منصهرا في وحدة العمل النقابي المصرفي، فانه يدافع عن مصالح مهنته ويتحول الجميع إلى إخوة يشدهم مصالح محددة. ما كشفه التسريح الأخير للخليج الدولي هو ذلك الاستحكام الشرس للأجانب والضارب في عمقه بحلقات ضيقة من المتنفذين والأشخاص العنصريين، الذين يعللون أفكارهم بعدم أهلية البحريني في العمل المصرفي وفي مواقع دنيا وعليا، لكي تخلو لهم ولأصدقائهم وشللهم الساحة. لمواجهة هذا الاستحكام الأجنبي لا بد من سرعة تنظيم صفوف المصرفيين سواء كانوا خارج النقابة أو داخلها، ولكي تتحول إلى قوة فاعلة ومنظمة فان الالتحاق بالنقابة لا تعتبر تهمة سياسية كما هي ظلال الماضي المخيف والمهيمن على روح الجميع. أهمية وحدة العمل النقابي في مثل هذه الظروف من الأزمات فهي التجربة الحية التي يستقي منها العمال والمصرفيون دروسهم. ضرورة التعلم من معنى التضامن العمالي كمفهوم أساسي للعمل النقابي، إذ لا يجوز للأجزاء المتناثرة من الجسد العمالي التفرج والتصفيق فقط، وإنما الاستعداد والتلويح بالدخول للمعركة في الوقت المناسب، بل وإعداد وتحضير مؤسساتهم للانخراط مع إخوتهم في معركة الدفاع عن حقوقهم المشروعة. والأكثر من ذلك لا بد وان تتسع دائرة التضامن السياسي والنقابي للعمال المفصولين وفي أي مهنة إن لم تكن على أسس شرعية يقبلها الطرف العمالي وعن رضا كامل بين الطرفين، فان أهمية ومبادرة المؤسسات السياسية كالجمعيات والبرلمان والشورى تصبح أكثر من ضرورية لإبراز الوجه الوطني لمؤسساتنا، إذ من العيب والخزي أن يصمت نوابنا عن تضامنهم مع مصرفيي الخليج الدولي فيما عدا النائب ابوالفتح (ونحن نحييه ونشد على يديه بقوة) فيما هم منشغلون في تحسين اوضاعم ورواتبهم وتقاعدهم وكأنهم نواب الثروة المستعجلة في ذلك المصرف إن الآخرين عليهم تحضير أنفسهم لذلك التسريح حتى وان كان بحجج اقل. لهذا لن يجدي الجميع الانكفاء الفردي والخوف تحت ذرائع عدة، بقدر ما عليهم الالتحاق بعمل النقابة فإنها بيتهم الحقيقي الذي تحت سقفه سيجدون الحماية والدفاع عن مصالحهم وقوت أولادهم مهما كانت الظروف، فان لم يحمينا سقف الوطن ويمنحنا كرامة وعدالة فمن الذي سيحمينا؟
صحيفة الايام
23 يونيو 2009