عندما كانت أسعار النفط تحلق عالياً في السماء على مدى أكثر من خمس سنوات 2004 - 2008, وصولاً إلى مقاربتها لسقف المائة والخمسين دولاراً في يوليو عام 2008 (147 دولاراً للبرميل)، كانت البنوك الخليجية تعيش واحدة من أبهى أيام عزها، وكانت توزع قروضها ‘ببذخ وكرم حاتمي’ غير مسبوق .. شمل ذلك خطوط ائتمان التمويل الرأسمالي (الفردي ‘والسينديكاتي’ - Sindicate) والتمويل العقاري والتمويل المضارباتي (Speculative financing) والتمويل الشخصي (Personal banking). بيد أن انهيار أسعار النفط في الربع الرابع من عام 2008 على خلفية اندلاع الأزمة المالية/الاقتصادية العالمية التي تداعت من أزمة الرهن العقاري مروراً بأزمة القطاع المصرفي والمالي، وصولاً إلى الاقتصاد الحقيقي، قد كشف عن الجوانب الهشة لبنوكنا الخليجية. فلقد تأثرت البنوك الكويتية كثيراً من تمويلاتها ‘المفرطة’ لقطاع الاستثمار العقاري بجميع أنواعه، بينما عانت البنوك البحرينية من مشكلة السيولة، فيما عانت البنوك الإماراتية من مشكلة عدم الكفاية الرأسمالية (والسيولة ترتيباً). الأزمة الأخيرة كشفت من جديد وعلى نحو فاقع أن البنوك الخليجية يجمعها عامل مشترك وهو أنها ‘ضئيلة الحجم’ مقارنة بأحجام أسواق بلدانها وتمدداتها والتحديات التي تُرتبها هذه الأحجام المتنامية لهذه الأسواق وبضمنها تحدي التباطؤ أو الهبوط الارتطامي (Hard landing) لاقتصاداتها. وهي ضئيلة بالقياس إلى أحجام المؤسسات المالية العالمية التي تتعامل مع مثل هذا التحدي ونعني الأحجام المتسعة والمتشعبة للأسواق الوطنية والإقليمية والعالمية التي تستهدفها الإدارات الاستثمارية لهذه المصارف. هذا التداعي المقلق للأزمة فيما يتصل بالبنوك الخليجية تحديداً كان لا بد أن يستدعي ردود أفعال أكثر جدية تختلف عن سابقاتها فيما يتعلق بالتعاطي مع أزمات التقلبات الحادة في البيئة الاقتصادية. ولطالما تم طرح ومناقشة فكرة الدمج بين المصارف الخليجية على صعيد كل دولة على حدة على أقل تقدير، وهو الطرح الواقعي والممكن. إلا أن النزعة الاستقلالية لإدارات البنوك ظلت تتغلب دائماً على فكرة الدمج بسبب الوضع الاقتصادي والمالي المريح جداً للجميع. أما وقد استشعرت القيادات المصرفية هذه المرة حقيقة وجدية التحديات التي تواجهها، فإنها ربما تكون الآن أكثر استعداداً لتقبل فكرة الدمج بما يشمل ذلك الموصى به حكومياً انطلاقاً من مصلحة الاقتصاد الكلي. فالأصول الفردية للمصارف بصغر حجمها قياساً إلى التحديات (أكبر الأصول كان يملكها بنك دبي الوطني بتقديرات تصل إلى 75 مليار دولار) التي تواجهها، فضلاً عن العدد ‘الفائض’ من هذه البنوك (52 مصرفاً في الإمارات العربية المتحدة وحدها)، لا تمكنها من مقابلة هذه التحديات ومن الانتقال من الإقليمية إلى العالمية (للنفاذ إلى أسواق المال العالمية الضخمة). وبالفعل لوحظ مؤخراً تحرك على هذا الصعيد، بدأ بعرض بنك السلام (البحرين) في شهر أبريل الماضـي لشراء البنك البحريني السعـودي بمبلغ 27 مليون دينار (حوالي 72 مليون دولار). كما تم في دولة الإمارات العربية المتحدة دمج مجموعة دبي (Dubai Group) مع دبي العالمية للاستثمار (Dubai International Capital)، ودمج أملاك وتمويل في مؤسستين قديرتين. وهنالك تحرك باتجاه الدمج في أبوظبي وفي دولة الكويت أيضاً حيث كان بنك الكويت الدولي الذي خسر نحو مليار دولار من استثماراته في المشتقات قد عرض نفسه للبيع، كما أعلن بنك الكويت الوطني في شهر أبريل الماضي عن اعتزامه شراء حصة تبلغ 40٪ من بنك بوبيان (التمويلي الإسلامي). هنالك إذاً دوافع اقتصادية تدفع باتجاه الدمج، إلا أن هنالك بالمقابل عوامل غير مشجعة على السير حثيثاً في هذه العملية الهيكلية القطاعية، أبرزها الخشية من المساهمة في إشاعة البطالة في صفوف العاملين في المصارف وجلهم من الخليجيين (يشكلون نسبة 78٪ من إجمالي العاملين في القطاع المصرفي في البحرين). وهذا موقف مفهوم جداً وينم عن شعور بالمسؤولية. ولذلك لا بد من التفتيش عن مخارج توفق بين مصلحة إعادة هيكلة وتعظيم طاقات القطاع المصرفي وبين الحفاظ على العمالة المصرفية الخليجية وتعزيز طاقاتها بما يوازي الطاقات المصرفية في المراكز المالية العالمية.
صحيفة الوطن
21 يونيو 2009