أين صوتي .. ذلك هو الشعار التلقائي الذي خرجت خلفه الجماهير الإيرانية الغاضبة والرافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مواجهات مفتوحة تخللتها حالات قتل وعشرات الجرحى والمعتقلين قامت بها قوات الباسيج، وصاحبتها كثير من أعمال التخريب في المنشآت والممتلكات، رغم ما فرضته السلطات هناك من تعتيم وحجر على مختلف الوسائل الإعلامية، ورغم عدم الترخيص للمسيرة المليونية التي دعا لها المرشح الخاسر وبقية رموز التيار الإصلاحي، في مقابل الترخيص للمسيرة التي دعا لها الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد وحظيت بمباركة مؤسسة الحكم فيها، بل أن الأمر قد تجاوز الحدود لتخرج مسيرات الغضب منددة بما جرى باتجاه العديد من السفارات الإيرانية حول العالم. فقد أكدت تداعيات الأحداث الأخيرة حجم الانقسام الداخلي على مستوى مؤسسة الحكم وعلى مستوى الشارع أيضا، وما تبعه من فرز بدى أكثر وضوحا عن ذي قبل داخل المؤسسة الدينية الحاكمة وصراع وتفكك الأجنحة والنخب المتفاقم داخلها, مما حدا بلجوء بعض رموزها ومنهم من هم من ذوي الوزن الثقيل إلى ذات الشارع الذي احتكمت إليه الجماهير منذ أكثر من ثلاثة عقود، عندما أسقطت دولة الشاه بكل ما تمتلكه من جبروت وقسوة، فقد بدى أن الكيل قد طفح ببعض الرموز التي لم تجد بدا من الإفصاح علانية عن نفسها وربما برجماتيتها أو حتى تغيير جلدها في التعاطي مع المستجدات على الساحة الإيرانية، والذي هو نتيجة حتمية لحالات اليأس التي تنتاب الشارع والنخب حول إمكانية التغيير في ظل حالات التأزم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في دولة تمتلك خامس احتياطي نفطي على مستوى العالم، وليس بمستغرب البتة أن يكون من بين تلك الرموز الرافضة من هم بوزن الرمز الأبرز في مؤسسة النظام الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي تقدم بشكوى إلى مرشد الثورة للرد على إدعاءات الفساد التي ساقها الرئيس نجاد بحقه وبحق أفراد من عائلته، وكذلك الرئيس السابق محمد خاتمي والمرشح الإصلاحي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، وما تلا ذلك من حملة اعتقالات طالت أسماء كبيرة لن يكون آخرها بكل تأكيد السيد محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي. وإحساسا منه بعمق الأزمة سارع مرشد الثورة بالإيعاز لمجلس صيانة الدستور بإعادة فرز الأصوات لصناديق بعض الدوائر الانتخابية، في محاولة تبدو وكأنها خطوة لسحب البساط من تحت أرجل الرافضين لتلك النتائج، مما استدعى معه موقفا مضادا ورافضا من قبل زعماء التيار الإصلاحي لتلك الخطوة، الذين اعتبروها فخا وطالبوا بعدم الانجرار إلى حبائلها. لقد أضحت الأحداث مرشحة للتصاعد بشكل ربما لن تعود معه الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات الأخيرة، وحتى وإن عادت فأنها حتما ستظل مشتعلة تحت الرماد تستمد حالات صعودها القادمة من قلة حيلة النظام وإخفاقاته السياسية والاقتصادية والمعيشية، والتي برزت في تقييد هوامش الحريات و تهميش القوى المعارضة للنظام، علاوة على تفاقم المصاعب المعيشية ومستويات الفقر وقضايا الإدمان والبطالة لقطاعات واسعة من الشباب الإيراني، والتي يزيدها تأزما حالة الانغلاق والعزلة المتزايدة التي تحاصر النظام وفي ظل تصاعد حدة الخطاب الراديكالي. وعلى الرغم من الوعود السابقة ألتي أسبغها الرئيس نجاد إبان حملته الانتخابية السابقة والتي كان من بين أهم شعاراتها حل مشكلة الفقر والبطالة وتوزيع عائدات النفط على الفقراء، والتي يبدو أنها وجدت لها صدى مجددا لدى المرشح الإصلاحي الشيخ مهدي كروبي دون جدوى! في حين استقطبت شعارات المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي الداعية للعدالة والمساواة وإعطاء مزيد من الحريات للنساء وللمجتمع ولحرية التعبير قلوب الجماهير الباحثة بشغف عن مخرج لبعض من احباطاتها تجاه النظام طيلة أكثر من ثلاثة عقود، تسيّدتها شعارات راديكالية اتخذت من معاداة الغرب وأمريكا وسيلة وحيدة لإحكام سيطرتها على زمام الأمور دون تغييرات تذكر في تطوير نهج ممارسات ونهج الحكم الذي تستحقه إيران ويستحقه الشعب الإيراني بتاريخه وحضارته الراسخة في الوجدان والمكون الإنساني والحضاري. تجاه كل ذلك لن تغير دعاوى بعض المدافعين الأشاوس عن النظام من حقيقة ما يجري في إيران وقولهم أن النظام يحظى بحالات نادرة من الالتفاف والتضامن الشعبي والقوة على مختلف المستويات، فذلك لن يغير من المعادلة شيئا طالما ظلت بؤر تفجر الصراع كامنة فيه، لتؤكد مقولة أن أعداء النظام الحقيقيين هم النظام نفسه.
صحيفة الايام
21 يونيو 2009