سؤال دقيق، وليس أدق منه ولا أصعب سوى الإجابة عنه، فصورة هذا الخليج تغيرت جوهريا وهي تتغير، لو عقدنا مقارنة بين ما كان عليه قبل عقود من الآن وبين ما هو عليه الآن. صحيح أن التغييرات الجذرية، التي كانت أشبه بانقلاب اقتصادي اجتماعي وقيمي، لم تحدث إلا في العقود القليلة الماضية، لكن هذا لا يغير كثيرا من الأمر، فالخليج اليوم لم يعد خليج الأمس. ورغم إدراكنا العميق بأن التحولات العاصفة التي شهدناها لم تذهب إلى عمق البنى الموروثة من الماضي، فإن المكابر وحده من ينكر أن هذه البنى التقليدية قد اهتزت تحت تأثير رياح التحديث القوية التي هبت على بلدان المنطقة، فأنشأت وقائع وحقائق جديدة على الأرض. ولأن نتائج هذا التحديث لا تظهر مرة واحدة وبصورة فورية بالضرورة، فإن ما يعتمل في أحشاء مجتمعات الخليج من بوادر تغيير وتحول مستقبلي لا بد من إعداد العدة له منذ الآن، سواء من قبل شعوب المنطقة أو حكوماتها، خاصة أن وتائر التطور الراهنة وحجم التحديات المطروحة مختلفة عن تلك التي كانت حتى حين، فما نجتازه اليوم في عقد واحد من السنوات كنا في الماضي نحتاج إلى عقود كي نقطعه، وبالتالي لم يعد من الجائز الركون إلى بطء التحولات في الماضي واعتمادها وحدة قياس للمستقبل الذي يتطلب وحدات قياس من معدنه بما يتلاءم وصورته المغايرة لما ألفناه حتى الآن. لقد أنجزت دول الخليج بنية أساسية متطورة تشمل مرافق مختلفة من طرق وموانئ ومطارات ومشاريع اقتصادية كبيرة، كما تكفلت الحكومات بتقديم خدمات اجتماعية واسعة في مجالات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية، وجرى الحديث عما وصف بدولة الرفاه في الخليج. ومن دون التقليل من حجم هذه الانجازات فإن التعويل عليها وحدها ليس كافيا، لأن دولة الرفاه هذه لا يمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية، فضلا عن أن المخاطر الخارجية المحدقة بالمنطقة، وانكشافها على الخارج يجعل من هذه المكتسبات ذاتها في خطر تحت تأثير أي عامل مفاجئ، وفي التاريخ القريب للمنطقة من الأمثلة المدوية ما هو كاف للاتعاظ. إن حماية ما حققته دول المنطقة من انجازات وتطويرها والاستفادة من البنى التي شيدت وأنفق عليها الكثير تتطلب موازاتها بتطوير عميق في البنى السياسية لهذه الدول، واستباق الأحداث والضغوط عبر تطوير أشكال المشاركة الشعبية، وإيجاد آليات للرقابة على أداء السلطة التنفيذية، وإشراك شرائح المجتمع الجديدة، من الشباب والنساء والمثقفين والتكنوقراط وسواهم في إدارة شؤون الدولة والمجتمع عبر إيجاد الآليات التي تتيح مشاركتهم الفعالة، بما في ذلك عبر الأجهزة التشريعية والبلدية المنتخبة، والنهوض بمستوى التشريعات والقوانين وعصرنتها من خلال الاستفادة من الكفاءات الوطنية المخلصة. إن أنصاف الحلول أو التدابير الشكلية لن تحقق النقلة المنشودة في اتجاه البناء الديمقراطي الجدي الذي يتطلب تنازلات جوهرية من مؤسسات الحكم عن بعض سلطاتها وثرواتها لشعوبها، ليس فقط بما يستجيب وضرورات بناء دول دستورية وتمثلية في عالم اليوم المتحول، وإنما أيضا بما يؤمن استقرار أوضاع بلداننا وتأمين صلابة وتماسك جبهاتها الداخلية.
صحيفة الايام
20 يونيو 2009