تغادرنا بعد أيام قليلة صديقتنا العزيزة الدكتورة رفيعة غباش عائدة إلى وطنها، دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، بعد سنوات من الانجاز قضتها في رئاسة جامعة الخليج العربي، هذا الصرح العلمي الخليجي المشترك، الذي قدم ويقدم نموذجاً ناجحاً لما يمكن أن يسفر عنه تضافر جهود دولنا الخليجية في المشاريع المشتركة ، لا في الحقول العلمية والثقافية وحدها، وإنما في كافة أوجه التنمية. خلال سنوات إقامتها الحافلة بالنشاطات بيننا، كانت رفيعة غباش ابنة البحرين مثلما هي ابنة الإمارات، قريبة جداً من مشاغلنا الثقافية والأكاديمية والاجتماعية، ومن مجمل الحراك الذي تعيشه البحرين في الأوجه المختلفة. ولا غرو في ذلك فهي تمثل، خير تمثيل، ذلك الجيل المتقد من أبناء وبنات الإمارات، الذي فتح عينيه على قيام دولة اتحاد الإمارات العربية المتحدة على يد بانيها الأكبر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي دخل تاريخ المنطقة والتاريخ العربي عامة بصفته رجل دولة من الطراز النادر، وبصفته رجلاً وحدوياً بامتياز بنى دولة اتحادية مزدهرة في صمت وبدأب، بعيداً عن الضجيج والشعارات الجوفاء، فيما لم تورث محاولات الوحدة القسرية في أكثر من بقعة عربية سوى المرارات وشلالات الدماء. رفيعة غباش ابنة هذا الجيل الذي فتح الشيخ زايد أمامه أوسع أبواب المعرفة والتعليم والتدريب واكتساب الخبرات الإدارية، وهي حملت بين جوانحها ما حمله جيلها الإماراتي من حس وطني وتوق وحدوي وتشرب بقيم التجديد وأفكاره، هي التي تنتسب إلى عائلة معروفة بوعيها الوطني والتقدمي، وحسبي هنا أن أشير إلى شقيقها المرحوم غانم غباش الذي ساهم بدور محوري في وضع مداميك المجتمع المدني وأسس واحدة من أهم المجلات السياسية والفكرية في الإمارات وفي منطقة الخليج هي مجلة» الأزمنة العربية». وهي إلى ذلك قدمت فكرة طيبة عن المرأة الإماراتية التي أطلقت دولة الاتحاد طاقاتها، وفتحت أمامها أبواب العلم والعمل والمشاركة النشطة في مناشط الحياة الإدارية والثقافية والاجتماعية، وحتى السياسية أيضاً، وهذا ما تجلى في عطاء رفيعة غباش العلمي والأكاديمي والإداري، وفي عطاء الكثير من نظيراتها الإماراتيات اللواتي يشكلن نسبة كبيرة في الكادر الأكاديمي ويتبوأن مقاعد في الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية وكذلك في المجلس الوطني الاتحادي، وفي مختلف مواقع الإدارة والتنمية والإعلام وغيرها. ولن يتسع المجال هنا لقول الكثير عما تستحقه انجازات رفيعة غباش من تقدير، ولكني أردت أن أستغل هذه المناسبة لا لكي أودعها، وهي تغادر البحرين، لأنها ستظل حاضرة معنا دائماً، وستذكرنا انجازاتها بدورها المقدر فترة رئاستها لجامعة الخليج العربي، وإنما لأوجه لها تحية تقدير وشكر لما أظهرته تجاه البحرين من حب وحنو، وأن اتمنى لها المزيد من التوفيق والنجاح في ما ينتظرها من مهام في بلادها، دولة الإمارات، هذا الوطن العزيز عليّ شخصيا، الذي أمتن له بالكثير، خلال سنوات إقامتي فيه التي كانت فرصة رائعة وجميلة في الاقتراب من نبضه الإنساني وفي التآلف مع وجوه رائعة فيه من طراز رفيعة غباش التي لا نقول لها وداعا، وإنما أهلاً بك دائما: ابنة للبحرين أيضاً.
صحيفة الايام
17 يونيو 2009