لعل واحدة من المفارقات الغريبة الباعثة على التعجب فيما آلت إليه مجتمعاتنا الخليجية من تحولات ومتغيرات كبيرة بعد أكثر من ثلاثة عقود من سنوات الطفرة النفطية التي أفضت إلى استقدام أعداد هائلة من العمالة الآسيوية والخبراء الاجانب المتعددي الجنسية وفي مقدمتهم الخبراء الشقر الغربيون، هي الاغتراب الكامل لهذه الجاليات المتعددة الجنسية عن كل قضايا وهموم ومشاكل شعوب البلدان العربية الخليجية التي اضحوا يقيمون فيها اقامات طويلة، فلا يوجد أي شكل من اشكال التواصل المتبادل بين تلك الجاليات وهذه الشعوب، ولا أي شكل من أشكال الاندماج والعلاقات الانسانية بمختلف اشكالها ومجالاتها الثقافية والاجتماعية، دع عنك السياسية، ناهيك عن غياب أي اهتمام للجاليات الآسيوية والاوروبية ذاتها بالقضايا القومية والدينية لشعوب بلدان الخليج العربية.
ولا شك أن هذه المفارقة الاجتماعية الثقافية الغريبة تنطوي على خسارة وطنية وقومية، سياسيا وثقافيا، بكل المقاييس، إذ لم تعد الخسارة تقتصر على خسارة اقتصادية فحسب تتمثل في التحويلات المالية لهذه الجاليات من الأيدي العاملة الأجنبية للخارج تصب في اقتصادات وبنوك بلدانها الأصلية، كما دأبت الدراسات الاقتصادية الخليجية والعربية تنبه بذلك إلى هذه الاضرار على امتداد أكثر من 30 عاما متغافلة الاضرار السياسية لغياب كل اشكال الانفتاح المتبادل بين تلك الجاليات والشعوب الخليجية.
وللمزيد من توضيح الفكرة لنتساءل إلى أي حد كان يمكن تعبئة وكسب هذه الجاليات وتنشيطها للوقوف لصالح قضايا هذه الشعوب على المستويين الوطني والقومي؟ ما هو دور القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الخليجية للعب هذا الدور الوطني والقومي من خلال استلهام كل اشكال ومستويات التقارب والتواصل الممكنة مع تلك الجاليات الاجنبية، وعلى الأخص التي تتحدث منها بالانجليزية إما كلغة وإما كلغة وسيطة ثانية؟
الاكثر مدعاة للاستغراب فيما آلت إليه أوضاعنا الاجتماعية الخليجية من تحولات جديدة في بحر ثلاثة عقود فقط ان كل ذينك الاغتراب والانكفاء المتبادلين بيننا وبين الجاليات التي تقيم بين ظهرانينا وتعمل معنا في مؤسسات واحدة لساعات طويلة، ولا تقتصر همومنا واهتماماتنا معها إلا في نطاق الاهتمام المشترك الضيق المحدود المتعلق بشئون وقضايا العمل اليومية.. نقول إن كل ذلك يجري رغم وجود أكثر من صحيفة يومية باللغة الانجليزية تصدر في كل الاقطار الخليجية الستة.
وهنا فان السؤال الذي يفرض نفسه ماذا قدمت هذه الصحف التي يفترض انها تخاطب على الأقل النخبة المثقفة والمتعلمة في اوساط الجاليات الاجنبية من دور في استمالة وجذب وتوعية ابناء هذه الجاليات بهموم وقضايا هذه الشعوب الوطنية والقومية؟ وماذا قدمت تلك الصحف ذاتها في المقابل لجعل صفحاتها كمنبر معبر عن هموم تلك الجاليات وقضاياها إن في المهجر ببلدان الخليج ذاتها وان في اوطانها التي قدمت منها؟
وبعبارة اخرى هل ثمة مقالات رأي في صفحات وأعمدة معبرة على نحو مؤثر ومتواصل عن تلك الهموم المتبادلة، إن بأقلام كتاب خليجيين عرب وما أكثر من يجيد الانجليزية منهم كما يفترض! وإن بأقلام مثقفي تلك الجاليات التي يتربع بعضهم من الاوروبيين على ادارات تحرير تلك الجرائد نظير مرتبات خيالية من دون ان يسدوا أي خدمة اعلامية سياسية لصالح شعوب هذه البلدان الخليجية وقضاياها الوطنية والقومية؟
وهكذا فلئن كان يمكن تفهم ضعف اندماج المهاجرين العرب في المجتمعات الاوروبية وفي أمريكا وتضاؤل دور تأثيرهم في تلك المجتمعات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لعوامل ذاتية وموضوعية شتى متعددة، ليس هنا موضع تناولها، فكيف يمكن فهم غياب أي تأثير عربي خليجي في أوساط الجاليات الاجنبية المقيمة اقامات مزمنة في البلدان الخليجية؟
فاذا كان من عوامل غياب تأثير وزن ودور المهاجرين العرب كونهم يقيمون في بلدان أجنبية غير عربية لها قوانينها وظروفها، ناهيك عن تأثير اللوبيات الصهيونية السلبي المعادي لتلك الجاليات، فكيف يمكن ان نفهم غياب أي تأثير عربي خليجي يذكر تجاه جاليات تقيم في بلداننا الخليجية وتخضع لقوانيننا وتعتمد اعتمادا كليا في أرزاقها على اقتصادات هذه البلدان؟
الأغرب من ذلك ان اغلب تلك الجاليات الاجنبية المقيمة في دول الخليج لها أندية ثقافية اجتماعية ومؤسسات منظمة خاصة بها بما يسهل التواصل معها من قبل مؤسسات مجتمعنا المدني في حين لا يوجد أي شكل من اشكال هذا التواصل.
والحال ان غياب جسور التواصل مع الجاليات الاجنبية في بلدان الخليج لا يقتصر على الخبراء والايدي العاملة فقط بل يمتد حتى إلى أفراد الجنسيات الاجنبية ذكورا وأناثا، المتزوجين من خليجيين عرب او خليجيات من دون أي دور لهؤلاء الخليجيين الأزواج والزوجات للتفكير باستغلال انتماءات زوجاتهم وأزواجهن لتوظيفها في استمالة ابناء جنسياتهم المقيمين في هذه البلدان الخليجية عبر اقامة شبكة من الروابط والتجمعات المنظمة تسهل وتسهم في تحقيق هذه المهمة.
صحيفة اخبار الخليج
15 يونيو 2009