منذ الزلزال الاقتصادي الذي هز الولايات المتحدة في خريف العام الماضي، وهي الدولة الرأسمالية العظمى ذات الاقتصاد الاقوى والاكبر في العالم، ولتطاول آثار هذا الزلزال اقتصادات كل دول العالم بلا استثناء، منذاك وتحليلات المراقبين والمحللين الاقتصاديين في العالم ما انفكت تقارن أو تشبه الأزمة الاقتصادية الرأسمالية الامريكية الراهنة بالأزمة الاقتصادية التي عرفت بالكساد الكبير والتي مرت بها الولايات المتحدة ذاتها خلال الفترة (1929-1932)، وبخاصة في ضوء ما تركته كلتا الأزمتين من آثار اقتصادية ومعيشية مأساوية على شعوب الولايات المتحدة وأغلب دول العالم وعلى الاخص فيما يتعلق بتعاظم معدلات البطالة وانتشار الفقر، وبدت بذلك الكثير من التحليلات المقارنة بين الازمتين كأن الولايات المتحدة لم تعرف قبلهما ازمات اقتصادية مماثلة أو لم تتجرع اهوال وآثار ازمات اخرى.
والحال وان كان عقد المقارنة بين الازمتين مغريا لتشابههما في الحجم الكارثي الا ان كارثة الكساد الكبير في أواخر العشرينيات واوائل الثلاثينيات من القرن الآفل وقعت في وقت لم يكن اقتصاد الولايات المتحدة بهذا التأثير الكوني المعولم، ولم تكن الشركات المتعددة الجنسية قد برزت بتأثيرها الاخطبوطي في معظم دول العالم، كما لم تكن أمريكا حينها لديها مستعمرات في العالم كالتي كانت لدى عدد من الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا.
ولم تكن الأزمة الاقتصادية المعروفة بـ “الكساد الكبير” خلال تلك الفترة هي أول أزمة تمر بها الرأسمالية الامريكية، فعلى سبيل المثال مرت الولايات المتحدة بسلسلة من الازمات الدورية خلال الاعوام 1866، و1873، و1882، و1890، و1900، و1907، وفي الازمة الأولى التي وقعت سنة 1866 تعرضت صناعة السفن للانخفاض في الانتاج، وفي الازمة الثانية 1873 تراجعت صناعة بناء السكك الحديدية اربع سنوات الى الوراء بينما تراجعت صناعة الحديد 3 سنوات، وصناعة القطن سنتين، وصناعة بناء السفن 6 سنوات.
وفي أزمة عام 1882 انخفضت اعمال البناء في السكك الحديدية بصورة حادة، وتقلص حجم الانتاج في الصناعات الاساسية، ومن ذلك القاطرات البخارية التي انخفضت إلى الثلث كما انخفض انتاج القضبان إلى 40%، وتعد أزمة 1890-1893 اشد ازمات الرأسمالية الامريكية خلال القرن التاسع عشر ففي خلال نصف سنة أعلن ما يقارب 8000 بنك افلاسه واغلق 40 بنكا ابوابه فعليا، وفي عام 1891 انخفض انتاج القضبان إلى 32%.
وانعكست كل تلك الازمات على أوضاع الشغيلة والعمال، ففي أزمة 1873 مثلا كان العمال لا يوظفون إلا خلال فترة مؤقتة لا تتجاوز نصف عام في حين احتفظ 20% من مجموع القوى العاملة بوظائفهم الثابتة، أما اجور العمال فقد تدنت إلى نسبة 45% واغلقت غالبية المصانع ابوابها في وجه العمال.
أما فيما يتعلق بالبطالة فحدث ولا حرج، ففي عام 1893 مثلا كانت طوابير العاطلين تجوب البلاد طولا وعرضا حتى بلغ عددهم 5،4 ملايين عاطل ناهيك عن انخفاض الاجور.
وما ان حل عام 1894 حتى اندلعت انتفاضة عارمة للعاطلين والجياع بقيادة الجنرال كوكسي الذي قاد مسيرة توجهت إلى واشنطن العاصمة تم قمعها بهراوات الشرطة.
وبلغت نسبة البطالة عام 1897 10%، وفي عام 1898 6،9% ثم صعدت إلى 1،10% عام 1904 حتى بلغت اوجها عام 1908 حيث بلغت 4،16% وتكررت هذه النسبة عام 1914، والجدير بالذكر ان معدل البطالة الامريكي بلغ ذروته في الازمة الاقتصادية الراهنة مطلع العام الجاري حيث بلغ 5،7% وانخفض عدد الموظفين الى 530 ألف موظف.
وهكذا يتبين لنا من كل ما تقدم ان الازمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة ليست وليدة اليوم، بل هي اعتادت ان تمر بسلسلة من الازمات الدورية منذ دخولها المرحلة الاحتكارية الامبريالية، فمرحلة العولمة الراهنة، وعلى الاخص بعد هيمنتها شبه المنفردة على الاقتصاد العالمي.
صحيفة اخبار الخليج
14 يونيو 2009