*الخطاب الذي غيّب طيف الذكرى
في ظل صمت مطبق لف الإعلام العربي برمته وبمختلف وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة، وعلى الأخص إعلام الدول العربية الثلاث التي منيت بهزيمة ماحقة على يد جيش العدو الاسرائيلي خلال 6 أيام فقط من يونيو 1967 (مصر وسوريا والأردن)، مرت يوم الجمعة الماضي الذكرى الثانية والأربعون لحرب الأيام الستة (5-9 يونيو 1967) وهي الحرب الخاطفة السريعة التي شنتها اسرائيل على تلك الدول الثلاث وخرجت منها باحتلال شبه جزيرة سيناء المصرية كاملة، واستكمال احتلالها الأراضي الفلسطينية من خلال احتلالها الضفة الغربية التي كانت في عهدة الأردن، وقطاع غزة الذي كان في عهدة مصر، علاوة على احتلال هضبة الجولان السورية.. وكل ذلك تحقق، كما ذكرنا، في خلال ستة أيام فقط.
وباستثناء استرجاع مصر سيادتها المنقوصة والمقيدة عسكريا لشبه جزيرة سيناء، بموجب اتفاقية الصلح المنفرد مع اسرائيل التي وقعها الرئيس المغدور الراحل انور السادات عام 1979، والمعروفة بمعاهدة “كامب ديفيد”، فإن آثار العدوان والاحتلال الاسرائيليين لبقية الأراضي العربية المحتلة في سوريا وفلسطين، علاوة على أراض للبنان لاحقا، مازالت باقية وجاثمة ليس على أراضي تلك البلدان فحسب بل على صدور الأمة العربية جمعاء التي لاتزال منكوبة سياسيا وحضاريا بنتائجها الكارثية المتتاليقة وغير المسبوقة في تاريخ العرب الحديث.
وإذا كان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر هو من أطلق تعبير “ازالة آثار العدوان” خلال سنوات الاستنزاف العسكري مع اسرائيل (1967-1970) وذلك استعدادا لمعركة تحرير الأراضي المصرية المحتلة وحيث رحل عبدالناصر عشية اعداده الجيش المصري لخوض المعركة، وحيث كان يقصد أساسا بـ “الإزالة” استرداد الأراضي التي احتلتها اسرائيل خلال حرب الأيام الستة، وعلى الأخص اراضي وطنه (شبه جزيرة سيناء)، فانه بعد مرور أربعة عقود ونيف على تلك الهزيمة اضحى احتلالها عمليا اشبه بالأمر الواقع المكرس على الأرض، بما في ذلك المعاهدة التي وقعتها معها القاهرة الساداتية في ظل شروط مجحفة لإعادة سيناء بما يحقق لها أكبر مكاسب ومغانم سياسية وعسكرية ممكنة نظير انسحابها منها وتسليمها لمصر، دع عنك تمكنها من اخراج مصر من حلبة الصراع العربي الاسرائيلي.
فاتفاقية “كامب ديفيد”، ورغم فشلها الذريع في فرض التطبيع الشعبي فإنها كرست عملياً الصلح والتطبيع الرسميين بين اكبر دولة عربية واسرائيل في مختلف المجالات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وهي بذلك – الاتفاقية – تجسيد سياسي عملي لثمار ما حصدته من احتلالها لشبه جزيرة سيناء في يونيو 1967، أما هضبة الجولان فمازالت محتلة، بل لم تتوان اسرائيل عن إعلان ضمها لها في أوائل ثمانينيات القرن الماضي خلال حكومة رئيس وزرائها الإرهابي الراحل مناحيم بيجن وهو نفسه الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد مع السادات.
أما مكاسبها على أراضي 1967 الفلسطينية المحتلة فما فتئ يتجرع أهوالها الشعب الفلسطيني طوال 42 عاما تحت الاحتلال عبر سلسلة متصلة من العذابات والمآسي المتواصلة وحروب الابادة العنصرية المتصلة التي كان آخرها العدوان على غزة والاعتقالات اليومية وفرض الحصار بمختلف اشكاله من حواجز امنية وتجويع ومنع الدواء وهدم البيوت، ومصادرة الاراضي، والتجريف للمزارع والتهويد للأراضي، وبناء المستوطنات، وبناء الجدار العازل.
والأهم من كل ذلك فان اسرائيل ما فتئت تتهرب من اعلان استعدادها للانسحاب من كل اراضي 1967 المحتلة، لا بل لا تجد أي غضاضة من إعلان رفضها تحقيق هذا الانسحاب كاملا وإقامة على الأراضي المنسحبة منها الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ناهيك عن حق العودة الذي مازالت تضرب به عرض الحائط رغم استناده إلى قرارات الشرعية الدولية.
ومع ان الاهتمام العربي باحياء ذكرى هزيمة يونيو 67 المشؤومة من خلال تجديد استخلاص الدروس والعبر، عبر تحليل اسبابها وسبل تجاوزها، قد تراجع تدريجيا خلال العقدين الماضيين تحت وطأة الاحباطات المتعاظمة حتى بلغ هذا التراجع اقصى انحداره خلال السنوات القليلة الماضية، إلا انه من الواضح جيدا هذا العام أن خطاب الرئيس الامريكي باراك أوباما التاريخي المطول الذي وجهه إلى العالم الاسلامي من جامعة القاهرة في الرابع من يونيو الحالي، أي قبل يوم واحد فقط من ذكرى عدوان الخامس من يونيو 67، كان له اثره البالغ في انشغال وسائل الاعلام العربية والاوساط العربية كافة، فغاب طيف تلك الذكرى المشؤومة هذا العام عن أذهان العرب تماما وبدت كأنها في طي السهو والنسيان.
لكن وبالرغم من انهماك الاعلام العربي من الرأس الى اخمص القدمين بخطاب الرئيس الامريكي اوباما وبكل ما يتعلق بردود فعل وصدى الخطاب عربيا وإسرائيليا وعالميا التي مازالت تتوالى رغم مرور اكثر من اسبوع على القائه، فان ثمة شهادتين جديدتين على درجة من الاهمية برزتا عشية الذكرى هذا العام وتناولت كلتاهما بعض الحقائق والخفايا المهمة المتعلقة بهزيمة يونيو 1967 التي كما نعرف مازال الكثير منها إما غامضا وإما لم يكشف النقاب عنه بعد حتى يومنا هنا، رغم مرور أربعة عقود ونيف على الحرب: الشهادة الاولى للدبلوماسي والصحفي الفرنسي الكبير المعروف ايريك رولو، والشهادة الثانية للكاتب الصحفي المصري الكبير والمقرب إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وسنتناول بالاختصار والتحليل كلتا الشهادتين في نهاية الاسبوع المقبل بإذن الله.
صحيفة اخبار الخليج
12 يونيو 2009