في الوقت الذي كانت فيه الحركة النسائية البحرينية ومؤسسات المجتمع تتطلع من كتلة الوفاق بأن تفي بما تعهدت به حين أصرت على سحب مشروع قانون الأسرة من أجل التوافق على أحكامه، أطلت علينا هذه الكتلة باقتراح تعديل قانون المحاماة بحيث يسمح للمتخصصين في الشئون الشرعية لطلبة العلوم الدينية الترافع أمام محاكم الشرع.
وبرر نائب رئيس كتلة الوفاق النائب خليل المرزوق الاقتراح بأنه ” يأتي مساهمة من الوفاق في ترتيب وتحسين نظام التقاضي بين القاضي الشرعي والدفاع الشرعي، في موضوعات الخلافات الشرعية والقضايا الأسرية ويكون لدى المدعي الدفاع المتضلع في القضايا الشرعية ويستطيع الدفاع عن وكيله برؤية شرعية وليس رؤية مدنية”.
إن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الاقتراح بأنه، فضلاً عن تعارضه وتناقضه مع قانون المحاماة، فهو يأتي بغية الهروب من جوهر المشكلة التي يعاني منها القضاء الشرعي المتمثل في غياب قانون ينظم أحكام الأسرة في نصوص قانونية يعلمها الكافة تلزم قضاة الشرع وأطراف العلاقة، وهو يأتي مع تصريحات أقل ما يقال عنها إنها تفتقر للصدقية، وتؤكد عدم جدية كتلة الوفاق فيما سمته توافق مجتمعي على إصدار القانون، إذ نفي المرزوق في تصريح صحافي «إمكان أن يكون لإصدار قانون أحكام الأسرة دور في حل مشكلة المتضررات من المحاكم الشرعية، لعدم وجود فراغ تشريعي في هذا الشأن»، ونسأل النائب المحترم هنا إذا لم يكن لقانون أحكام الأسرة فراغاً تشريعياً، فهل في اقتراح كتلته بتعديل قانون المحاماة بحيث يسمح لطلبة العلوم الدينية بالترافع أمام المحكم الشرعية مثل هذا الفراغ؟
طبعاً ليس هناك على الإطلاق مثل هذا الفراغ التشريعي الذي يستدعى أن تقدم كتلة الوفاق مثل هذا الاقتراح، إذ نص قانون المحاماة بوضوح تام في المادة الثانية البند الثالث على أنه ” يشترط فيمن يقيد اسمه في جدول المحامين أن يكون حائزاً على شهادة في القانون من إحدى كليات الحقوق بالجامعات المعترف بها من الجهة المختصة على أن تكون الشريعة الإسلامية من بين برامجها الدراسية، فإن لم تكن تلك المادة من بين البرامج التي درسها فيجب أن يجتاز امتحاناً فيها تعده وزارة العدل والشئون الإسلامية أو أن يكون حائزاً على ما يعادل شهادة في القانون في القضاء الشرعي من إحدى كليات الشريعة الإسلامية المعترف بها”.
هذا الحكم الذي تقضي به المادة المذكورة جاءت واضحة الدلالة على أن من له الحق في الترافع أمام القضاء العادي أو الشرعي أن يكون قد درس القانون والشريعة الإسلامية، بل إن عليه أن لم يكن قد درس الشريعة الإسلامية أن يجتاز امتحاناً فيها، أو أن يكون قد حصل على ما يعادل شهادة في القانون في القضاء الشرعي معترف بها من إحدى كليات الشريعة الإسلامية، واشتراط المشرع في هذه الحالة الأخيرة ضرورة معادلة الشهادة قد قصدها وهدف منه أن يكون من له الحق في الترافع أمام القضاء بما فيه القضاء الشرعي أن يكون قد درس القانون، ومن أبرزها كشرط للتخرج سواء في كليات الشريعة أو كليات الحقوق دراسة قانون الأحوال الشخصية الذي ترفض كتلة الوفاق إصداره.
وعليه فإن من يترافع أمام المحاكم الشرعية لا يكفيه أن يكون من طلبة العلوم الدينية بل لابد أن يكون قد حاز على شهادة في القانون أو ما يعادلها في القضاء الشرعي من جامعة معترف بها، ذلك أن هذا القضاء لا يتعلق فقط بأحكام شرعية بل يمتد تعلقه بإجراءات قضائية وقانونية تتعلق بالمرافعات، ويتمتع المحامون في البحرين وهم كثر بقدرة فائقة في فهم ليس إجراءات التقاضي فحسب بل الأحكام الشرعية، ومن ثم لا فراغ تشريعي هناك ولا نقص ولا قصور يجعل من اقتراحكم أيها السادة مقبولاً أو لازماً، أن ما يحتاج إليه المحامي والقاضي والمتقاضي أمام القضاء الشرعي هو تقنيين أحكام الزواج والطلاق وأثارهما، فضرورة هذا التقنين وأهميته لهذا القضاء في البحرين، لا يحتاج لكثير من البصيرة أكد عليها ليس فقط ثلة من نساء البحرين المتضررات كما يحلو لكم القول، بل أكد عليها من هو من بيتكم، علماء دين وقضاة أفاضل.
ليس أمامكم أيها السادة مقدمو اقتراح تعديل قانون المحاماة، سوى سحب هذا الاقتراح، والاعتراف بأهمية وضرورة أحالة مشروع قانون أحكام الأسرة في شقه الجعفري إلى مجلسكم الموقر ليتزامن صدوره بعد صدور شقه السني، ويتعين عليكم الإدراك، وهو إدراك مهم، بأن تحسين نظام التقاضي لا يتحقق ولن يتحقق بحسب اقتراحكم، وأن ما تركنون إليه في المذكرة الإيضاحية بأنه «لما كان قانون السلطة القضائية قد أقر صراحة أن الإجازة في الشريعة الإسلامية لتولي القضاء الشرعي كافية لتولي منصب القضاء، فإن الإجازة في الشريعة الإسلامية ستكون أيضاً كافية لتولي أعمال المحاماة أمام المحاكم الشرعية»، هو إسقاط في غير محله، فإن كنتم على محمل من الجد في تطوير نظام التقاضي الشرعي فإن عليكم، كما جاء في البيان الذي أصدرته جمعية وعد بهذا الشأن بحق أنه ” بدلاً من تقديم ذلك المقترح، أن تطلب (كتلتكم) تعديل قانون السلطة القضائية، بحيث يتم توحيد متطلبات وشروط تعيين القضاة والنص على حصول المتقدم لسلك القضاء على شهادة في الحقوق، ذلك أن سبباً رئيسياً لما آل إليه القضاء الشرعي هو عدم اشتراط حصول القاضي الشرعي على شهادة في الحقوق”.