بانتقال غرفة تجارة وصناعة البحرين من مقرها العتيد وسط الحي التجاري بالعاصمة، إلى مقرها الجديد الكائن في الحي التجاري الجديد بضاحية السيف وعلى مقربة من مركز البحرين الدولي للمعارض، تكون الغرفة حققت نقلة نوعية في مستوى رقيها الوجاهي العمراني والمكاني المجتمعي، وفي مستوى أهليتها واستقلاليتها القطبية المجتمعية باعتبارها الخيمة التي يستظل بها التجار من أعضائها أو بيت التجار كما هي التسمية المحببة لهم والتي اختاروا تصديرها قمة مبناهم في حلته الجديدة. وهذه مناسبة تستوجب منا جميعاً كبحرينيين أن نهنئ الغرفة ورجالاتها وكافة أعضائها من التجار وكذلك جميع طاقمها التنفيذي والإداري على إنشاء هذا الصرح العمراني والاقتصادي المهيب والذي يليق بتاريخ الغرفة وبما حققته عبر تاريخها من مساهمات وبصمات واضحة ترتسم اليوم على كافة قسمات اقتصادنا الوطني. فماذا يعني المكان أو المقر الجديد للإقامة في حياة المؤسسة؟ لاشك إنه يعني الكثير الذي يمكن اختزاله في بدء حياة جديدة تنطوي على خطط وأفكار وتوجهات وطموحات جديدة تروم تحقيق وبلوغ غايات وأهداف جديدة تتلاءم والمستوى التطوري الذي بلغته الغرفة والمُتوَّج بتشييد صرحها العمراني القشيب. صحيح أن غرفة تجارة وصناعة البحرين اليوم ليست كما كانت بالأمس، فهي متمثلة ومتواجدة بثقل كبير في إحدى غرفتي المجلس الوطني وتحديداً مجلس الشورى حيثما تُنظر القوانين وكل القضايا المحالة إلى المجلس من مجلس النواب والحكومة معاً، مثلما أنها متواجدة في عديد مؤسسات الدولة التنفيذية، كما إنها على تماس دائم مع دوائر صناعة القرار في البلاد. ولعل هذا بالذات يكون مدعاة لأن تقف إدارة الغرفة اليوم، لمناسبة تمنطقها بحلتها العمرانية القشيبة، وتستعرض الحالة التي بلغتها وتزنها وتُقيِّمها وتنظر في ما إذا كان مقنعاً وزنها ودورها قياساً إلى رصيدها وإمكانياتها، وما إذا كانت توجهاتها الاقتصادية وعلاقاتها المجتمعية بحاجة إلى تثمير وإعادة تقييم باتجاه تعزيز مكامن القوة وتقوية مكامن الضعف فيها. نقول هذا الكلام لمناسبة قيام عدد من أصحاب الأعمال الرياديين، الأعضاء في الغرفة، بالتقدم إلى رئيس مجلس إدارة الغرفة قبل أيام (16 مايو 2009) بفكرة إنشاء بنك تجاري بحريني متخصص في التمويل التجاري تحت مسمى ‘بنك التجار’، تيمناً، على ما هو واضح، بمسمى مقر الغرفة الجديد. وبحسب أصحاب فكرة المشروع المزمع إطلاقه هذا العام، فإن البنك الجديد يهدف لتسهيل وتشجيع التجارة المحلية وذلك من خلال تقديم التسهيلات والضمانات الائتمانية، مع تجنب الدخول في مشاريع أخرى مثل العقارات أو المضاربات المالية، وتكريس البنك نفسه لخدمة شريحة التجار من الفئة الصغيرة والمتوسطة وتمويل المشاريع الجديدة ومشاريع التوسعة المستقبلية للتجار أنفسهم. إضافة إلى الدخول في مشاريع مشتركة مع التجار والمساهمة في تمويل الشراء المشترك وتشجيع زيادة المبيعات لتجار البحرين من خلال تقديم قروض شخصية للمواطنين من أجل تيسير تمويل مشترياتهم من السلع الباهظة الأثمان كالسيارات. أولاً وفيما يتعلـق بالمشروع نفسـه فإن من الواضـح أن نطاق العمل (Business Scope) الذي يتحدث عنه أصحاب فكرة البنك، هو نطاق بالغ السعة يتراوح بين تمويل التجارة الخارجية والداخلية وتمويل القروض الشخصية للمواطنين. وهو من جهة ثانية إقرار من أصحاب فكرة مشروع البنك بعدم جدوى الاستمرار في تمويل شراء العقار بعد أن أصبح هذا الأخير أصعب منالاً على القسم الأعظم من الطبقة الوسطى، وكذلك لا جدوى من تمويل صفقات المضاربة في الأسهم إثر انهيار أسواق المال العالمية وفقد أسهم الشركات والبنوك الرئيسية المدرجة في بورصة البحرين لحوالي ثلثي قيمتها، فلم يبق أمام أصحاب فكرة مشروع البنك الجديد سوى المتمولين من التجار الصغار الذين لازالوا يملكون هامشاً ضيقاً للحركة في السوق. ثانياً وفيما يتعلق بفكرة مشروع البنك نفسها. فهي لا تعدو أن تكون استنساخ لمشاريع قائمة كان قد نفذها كبار أعضاء الغرفة في حقبة الطفرتين النفطيتين الأولى والثانية (1973 و1979)، برسم أن مجالس إدارات المصارف التجارية جلهم من قيادات الغرفة من رجال الأعمال. فما الجديد المبتكر في هذه الفكرة؟. لاشك أن الجميع يتوقع وينتظر من الغرفة لمناسبة انتقالها إلى مقرها الجديد العامر، رؤية جديدة بأفكار استثمارية خلاقة، لا تعيد إنتاج الأفكار التقليدية التي ترعرع ونما في كنفها وسطنا التجاري وهي التجارة والخدمات والمقاولات ومزاولة الأنشطة بالوكالة، وإنما تستشرف المستقبل بأفكار منفتحة أكثر على الاستثمار الإنتاجي والقطاعات الاقتصادية غير المولوجة أو المقتحمة، خصوصاً إذا كنا نتحدث (ولا نتشدق) عن الاستدامة في التنمية فليس أفضل من الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي سبيلاً لبلوغ ذلك ومساهمة القطاع الخاص بقسطه، إلى جانب الدولة، في هذه المهمة الاقتصادية الاستراتيجية وبعد أن حصل ما حصل من انهيارات في الاقتصاد النقدي.
صحيفة الوطن
7 يونيو 2009