المنشور

ماذا بعد انتصار المرأة الكويتية انتخابياً؟

كنت اقلب رأسي حول ظاهرة تستحق أكثر من الملاحظة، ففي أثناء وبعد الانتهاء من الانتخابات الكويتية، كان المجتمع البحريني السياسي وحتى الشعبي، يتابع الانتخابات الجارية في الكويت، وكأنها صناديق اقتراع موزعة في مدن البحرين. فلماذا هذا الارتباط السياسي والروحي بالانتخابات الكويتية وكأنها العلاقة ما بين الأم والطفل وتلك السرة العظيمة بين الأم والجنين . ربما التفسيرات سهلة وعابرة وسياسية وغيرها من الملاحظات التاريخية لعلاقة طويلة تمتد لمراحل الغوص والتجارة والسفن البريطانية العابرة ما بين بومباي حتى البصرة مرورا بالكويت . للخسارة حزن مماثل في البحرين وللانتصار فرح مماثل هنا وهناك أيضا. لن تتخيل أبدا نساء الكويت المنتصرات كم بعثن الفرح في جسد بلادنا التي تسعى نساؤها الى تحقيق نصر مماثل وفرح مماثل، فإذا ما لاحظنا تجمعات النخب المتنوعة من المثقفين، فان جل الحديث كان عن انتصار الكويتيات الأربع، النائبات الأربع واللاتي ستكون مهماتهن اشد وأصعب من الحملة الانتخابية وأوراق الناخبين فمسيرة المجلس بحاجة إلى جهد أعظم وفن ودبلوماسية ومهارة سياسية ارقى من دعائية الحملة، فمناورات ومساومات فن السياسة أصعب بكثير من الخطاب الانتخابي ومؤثراته في جمهور واسع، إذ تحت قبة البرلمان هناك فقط 50 مقعداً ودولة وتشريعات ومناصب ولجان وإغراءات وخديعة وتدمير لكل القيم متى ما وقع النائب في حبائل الطمع والأنانية. هناك نضال طويل وطويل مع النفس والزمن يتجاوز الأربع سنوات، ففيها لا يتمرن النائب على مصير الناس بل ويبيعها من خلف الكواليس أو يضعها في حدقة عينيه ويحافظ على كل الأماني التي تعلق بها الناخب عندما اختار تلك النائبة التي ستقول أمرا مختلفا وستكون كيانا جديدا لتلك الجدران والمقاعد، ولكل الوطن السياسي الجديد بعد هذا الاختيار والانتصار . كلنا في البحرين فرحون كما هي شوارع ومجالس ومقاهي « الكويت الحديثة « فمن انتصر هذه المرة ليس المرأة الكويتية وحسب وإنما الشعب كله، فقد صّوت للنائبات الأربع رجال ونساء ومن كل الفئات والطوائف، وكأنما ذلك الرقم المتنوع من النتائج تعبير وانعكاس لحقيقة جديدة، هي إن الشعب الكويتي ينتظر التغيير لممارسة شكل وبرنامج مختلف عن السابق في معالجة مشاكل وقضايا الوطن، فهناك مسيرة طويلة متعرجة كالغور العميق، ستدخلها النائبات الأربع، وعليهن أن يترجمن أحلام الناس، التي تنتظر من تلك إزالة الإعاقات والتأزيم، وتحريك عجلة المجتمع المتعثر والتنمية « النائمة المستباحة «من نواب كانوا لا يجيدون إلا فنا واحدا هو إعاقة المجتمع عن التطور وسحب عجلاته للوراء، تحت حجج كثيرة، ولكن وهي المهم تلك» ولكن!! «ألا تغيب عن أعين النائبات الأربع المشاريع الفعلية التي تخدم مصالح شعب الكويت وتحترم الدستور دائما وتواصل الاستحقاقات دون مهادنة ولكن بفن راق في المناورة، وتجعل من التشريعات حق دائم وثابت طالما أنها تصب في صالح وتقدم الكويت، وتبلغ رسالتها للجميع إن «الاستجواب والرقابة» نصل ديموقليدس المستمر لكي تبقى الحقيقة والحق شرعا لبناء دولة المؤسسات والحريات . وان تعرف تلك النائبات إنهن بلغن تلك المقاعد لكي تواصل درب الحقيقة المنتهكة والأصوات التي تبالغ وتكذب وتنشر الخديعة والتطبيل، فمسألة محاربة الفساد ، السياسي والمالي والإعلامي، تظل كلها شعارات «كفاحية (دون رشاشات ومفخخات وجهادية وغيرها) « لمن ينشد حقا أن يناضل من اجل التقدم. المهم في هذا الانتصار هو تواصل النائبات مع الحركة النسائية الكويتية برمتها، فهي المنبع والمصب والابقى والمستمر لنضال المرأة الكويتية، وهي الحقيقة السياسية المستمرة داخل وخارج مجلس الأمة ومن خلالها تستمد النائبات قوتها وصيرورتها ، فالتاريخ قد يستبدل الوجوه النيابية ، ولكن المرأة والحركة النسائية ستبقى خارج وداخل التاريخ مهما تنوعت لوحاته المجتمعية ، وعلينا أن نجعل ذلك الترابط بين النائبات والمجتمع قوة سياسية جديدة تستثمرها الحركة السياسية الكويتية في مواجهة سياسات التعطيل والتأزيم ليس من داخل الحركات الخاسرة في لحظتها هذه، ولكن أيضا ستكون دائما السلطة التنفيذية مؤسسة توزع وتبيع في بازارها مقاعد « الصيد والاقتناص « للذين يصبحون دوما صوتا مشاغبا لا ترتاح منه الضمائر الفاسدة ، والتي تبيع الوطن في الخفاء والعلن . الانتصار من اجل المقعد ليس إلا انتصارا مؤقتا وامتحانا اكبر لمعرفة كيف يجعلن تلك النائبات ، إن الوطن والنزاهة والمبدئية فوق كل شيء. المسيرة أصعب مما ننتظر ونتوقع ، ولكن الأمل والتفاؤل هو المنظور الذي يشدنا لمعرفة التجربة النسائية ومستقبلها بعد أن اخترقت طائراتها « الصوت « صوت الانتخابات المفاجئ للجميع، وبتعبير رياضي أنها « ضربة قاضية !» لتيار كان سائدا ومتسيدا في اغلب الدورات الانتخابية في مجلس الأمة . وبذلك علينا أن نؤمن ان التاريخ لا يقف عند نقطة واحدة وموقع احد وفي دائرة واحدة .
 
صحيفة الايام
7 يونيو 2009