المنشور

المشهد اللبناني.. والاحتمالات الأربعة!

يتوجه اللبنانيون غدا الأحد السابع من يونيو / حزيران إلى صناديق الاقتراع في انتخابات نيابية عامة تعتبر مفصلية ومصيرية، انطلاقا من مشروعين مختلفين، غير مثاليين -بالطبع- ولا يصبان -بالضرورة- في مصلحة عموم اللبنانيين؛ مشروع’’المقاومة’’ أو مجموعة 8 آذار المعارضة، التي يسيطر عليها ‘’حزب الله’’. ومشروع ‘’الدولة’’ العائدة لمجموعة 14 آذار بقيادة ‘’كتلة المستقبل’’، وإن كان المشروع الثاني أقرب مع الحاجة اللبنانية المعيشية الحالية لأكثرية اللبنانيين وينسجم أكثر مع الوضع الدولي وروح العصر. والسؤال هنا.. هل تفلح ‘’كتلة 8 آذار’’ في هذه الانتخابات -كما تدعي- في تحويل نفسها من أقلية نسبية معارضة إلى أكثرية نسبية حاكمة، وتتمكن من هزيمة الأكثرية الحالية الحاكمة المعروفة بـ ‘’كتلة 14 آذار’’ أو الموالاة (حسب نعت المعارضة لها)؟! .. ويتحقق طموحها في تشكيل الحكومة وطرح البرنامج الراديكالي (الإسلامي/ الشيعي والمسيحي / العوني ) المناهض، بل ‘’المناطح’’ للهيمنة الغربية / الأميركية والمقاوم لوجود الكيان العبري بالأساس والمعادي بشكل عدمي لكل مظاهر التمدن الغربي العصري، بعضد وتشجيع من قبَل قوة إقليمية متنامية (إيران) مع حليفه السوري. ومن هنا فإن التزامن النسبي للانتخابات النيابية اللبنانية، التي تسبق انتخابات الرئاسية الإيرانية بأقل من أسبوع (الجمعة القادم 12 يونيو / حزيران)، يحمل في طياته الكثير من الرمزية والإثارة!
هل النتائج هنا (لبنان) تؤثر إيجابا أو سلباً هناك (إيران) ؟! ..لا أحد يمكنه أن يفصح بوضوح عن إجابة منطقية على هذا السؤال اللغز! أو هل نتيجة الانتخابات النيابية اللبنانية كانت ستتغير لو حدث أن وقعت الانتخابات الإيرانية زمنيا قبل الانتخابات اللبنانية؟! أيضا سؤال محير! المؤكد -على أية حال- أن نتيجتي هذين الحدثين المترابطين، ستشكلان ذروة نوعية من التطور السياسي في ‘’شرق المتوسط ‘’.. ويتقرر ما إذا كانت المنطقة برمتها ستشهد شيئاً من الاستقرار النسبي، الذي ينشده عموم الناس. أم يحدث عكس ذلك تماماً، حيث قد تنزلق المنطقة إلى ما يشبه الهاوية من خلال دخولها في مجابهة ‘’عبثية’’ وجنونية تتأجج في حرب ضروس بين المحور الأميركي /الإسرائيلي/ الغربي من جهة والنظام الإيراني وحلفائه في سوريا ولبنان من جهة أخرى، خصوصا إذا ما تمخضت نتيجة الانتخابات عن فوزين مُركّبين؛ فوز جماعة 8 آذار وفوز الرئيس الإيراني الحالي؛ ‘’محمود أحمدي نجاد’’ مرة أخرى. وفي هذا السياق فإن هناك احتمال واحد من أربعة سيناريوهات سيتربع على المسرح السياسي الإقليمي.. وهي كالآتي:
الاحتمال الأول -الأسوأ بتقديرنا- الأشبه بكابوس عصيّ على التصديق، يتلخص في إمكانية نجاح كتلة 8 آذار في الانتخابات النيابية اللبنانية وتصدره المشهد السياسي اللبناني متزامناً ومشروطاً مع إعادة انتخاب الرئيس الإيراني’’محمود أحمدي نجاد’’، المشهور بتحديه الأرعن ولغته الديماغوجية ومفرداته الشعبوية.. حينئذ سنرى مشهداً لا يختلف عما توعّد به الأمين العام لـ’’حزب الله’’ اللبنانيين؛ السيد حسن نصرالله قبل أيام، حين أفاد بوضوح وثقة شديدين من أن لبنان سيتحول إلى ساحة مفتوحة للصراع والحرب، تنهال عليه الأسلحة والمساعدات الإيرانية! الأمر الذي يعني عملياً سقوط لبنان تحت نفوذ النظام الإيراني / الديني / المذهبي.. وما قد يترتب على ذلك من استراتيجية سياسية واقتصادية وثقافية يتحول لبنان من خلالها إلى نسخة لبنانية مصغرة من حاكمية ‘’ولاية الفقيه’’ المستبدة داخلياً والمتحدية خارجياً، الأمر الذي قد يفضي-لا محالة- إلى فتح أبواب الجحيم في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة للشرق والغرب!
الاحتمال الثاني – الأفضل والمأمول بتقديرنا- يتلخص في فوز كتلة 14 آذار في الانتخابات النيابية اللبنانية متزامناً مع وصول أحد الإصلاحيين سدة رئاسة جمهورية إيران الإسلامية، سواء كان المدني؛ ‘’مير حسين موسوي’’ أو المعمّم؛ ‘’مهدي كروبي’’، مما يعني تقليص التوتر السياسي الحاد إلى حد كبير، ودخول المنطقة الإقليمية المهمة هذه في فترة من المفاوضات والتجاذبات الهادئة، وانعكاساتها حتى على الوضع اللبناني الداخلي، الذي يرنو نحو التنمية والتطور السلمي أكثر من المجابهة والاحتقان الاجتماعي
الاحتمال الثالث عبارة عن المراوحة، التي تعيد إنتاج الوضع القائم من خلال خسارة كتلة 8 آذار اللبنانية ووصول أحد المحافظين إلى سدة الرئاسة الإيرانية، حيث سيتكرر الوضع الحالي نفسه في حال إعادة انتخاب ‘’محمود نجاد’’ أو قد يكون الوضع أخف قليلاً في حال وصول ‘’محسن رضائي’’، الذي لا يتمتع – على أي حال- بأي حظ حقيقي في النجاح ولا يتعدى احتمال نجاحه خانة رقمية واحدة في المئة! الاحتمال الرابع، الملتبس والغامض، هو تزامن وصول كتلة 8 آذار إلى الحكم في لبنان وفوز ‘’مير حسين موسوي’’ -الأوفر حظاً- أو حتى ‘’مهدي كروبي’’ بالرئاسة في إيران، الذي قد يعني التقلص النسبي في مدى قوة السند الإيراني لحزب الله، سواء على المستوى المالي، حيث تكون الأولوية منصبّة لمراضاة الشعب الإيراني في الداخل لوضع حد لمشاكله المعيشية المتفاقمة. أو على المستوى السياسي المزمع أن تتراجع سياسة المجابهة والتحدي لتحل محلها سياسة أكثر مرونة في التعامل مع الغرب فيما يتعلق بالملفات الساخنة، النهج الذي لا يتوازي ومشروع حزب الله اللبناني ! هذه هي السيناريوهات الأربعة، التي سوف يتربع أحدها على المشهد السياسي اللبناني / الإيراني والشرق أوسطي عموماً في الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة، عند ظهور النتائج النهائية للانتخابات النيابية اللبنانية ( ظهر يوم الاثنين المقبل) والانتخابات الرئاسية الإيرانية ( بعد أيام من موعد الانتخابات الأخيرة أو حتى أسابيع إن لم تحسم في الجولة الأولى) .. حينئذ ستكون لنا تباعاً وقفة أو أكثر.

صحيفة الوقت
6 يونيو 2009