هل هي مصادفة بليغة أن يتزامن إعلان سمو ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية في شأن الالتزام بالشفافية والنزاهة والحفاظ على المال العام ومحاربة الفساد ومحاسبة المتورطين والمفسدين في الشركات الحكومية النفطية وغير النفطية والتصدي الحازم لكل التجاوزات المالية أو الإدارية أو القانونية التي ترتكب من قبل أي كان وفي أي موقع كان. هل هي مصادفة أن يتزامن ذلك مع إعلان التسوية بين شركة ألمونيوم البحرين «ألبا» وشركة جلينكور السويسرية التي بمقتضاها تدفع هذه الشركة الى «ألبا» تعويضات مالية تنهي خلافاً بين الشركتين على خلفية تورط مسؤولين سابقين بالشركة البحرينية تلقوا رشاوى من وكيل الشركة السويسرية. هل هي مصادفة أن يتزامن الحدثان المذكوران مع ما تلاهما في اليوم التالي مباشرة من إعلان موافقة مجلس الوزراء بإحالة مشروع بقانون التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للسلطة التشريعية، وهي الاتفاقية التي كانت قد وقعت عليها البحرين في 8 فبراير 2005، وتزامن ذلك أيضاً مع تصريح للنائب العام الذي خلاصته بأن النيابة العامة تضع قضايا الفساد على رأس أولوياتها، وأنها بناء على توجيهات سمو ولي العهد سوف تتصدى بحزم لتقويض جرائم الفساد في أي موقع كان. هل هي مصادفة أن يتم ذلك كله في غضون يومين، أم أنه يحق لنا أن نجتهد لنعتبر ذلك إيذاناً بأن ملف الفساد سوف يولي هذه المرة ما يستحقه من عناية فائقة لابد منها، وهو الملف الذي يعلم الجميع بأنه زاخر بكل موجبات التحرك السريع الفاعل لتفعيل المساءلة والحساب وتدشين حملة وطنية حقيقية ضد الفساد. يحدونا الأمل اذا ما أضفنا إلى ذلك ما تبنته الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 من محاور تتصل بالعدالة والتنافسية وتكافؤ الفرص والتنمية المستدامة، ورفع مستوى معيشة المواطن، وتعزيز البيئة الاستثمارية، وتطوير النظام القضائي، وإيجاد نظام رقابي حكومي واضح وشفاف، والتطبيق العادل للقوانين واستئصال الفساد، وهي مبادئ ومحاور وأهداف نعلم استحالة تحقيق أي منها في أي مجتمع طالما ظل يعاني من مناخات موبوءة بالفساد. قلنا يحدونا الأمل بأن يكون ذلك كله بداية انطلاقة جدية وحقيقية على صعيد المحاربة الفعلية لمظاهر الخلل والانحراف والفساد، فالسنون مرت وأخذت معها أطنان الكلام والشعارات ولازلنا في الموقع ذاته، لم نبدأ، وربما لا نعرف كيف نبدأ.. ومتى نبدأ، وبقيت قضايا الفساد تقيد ضد مجهول..!! واذا كنا ولازلنا على قناعة بأن المنكشف من الأمور حتى الآن فيما يخص قضايا التجاوزات والفساد ما هو إلا الجزء الظاهر من جبل الثلج، فإن الموجود والمأمول أن تكون تلك المستجدات والمواقف الباعثة على نوع من الارتياح نرجو أن يكون في محله، قادرة على أن تشكل بداية لجهد وطني صادق يدفع باتجاه التأكيد على أنه بوسعنا أن ندرأ الفساد بكل ما في أيدينا وما هو متاح من وسائل، علاوة على ما ليس منه بد من إجراءات وقرارات قاسية وجريئة، ونحسب أن الموافقة على المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والتمهيد لذلك بإحالة مشروع بقانون التصديق على هذه الاتفاقية للسلطة التشريعية أمر يفترض أن يدفع إلى تفعيل آليات المساءلة والمحاسبة وإزاحة كل ما يعيق أو يعطل ذلك أو يجعل هذه الآليات شكلية أمام الناس والهيئات والمنظمات والمجتمع الدولي برمته. المتطلبات الواردة في تلك الاتفاقية تفرض على كل دولة أن تلتزم بها طالما صادقت عليها، وهي متطلبات أو التزامات في إطارها العام تؤكد بأنه لا مسؤولية من دون مساءلة، ولا ديمقراطية من دون محاسبة، وأنه لا يمكن أن يستقيم أي إصلاح بوجود فساد يضرب كل مقومات التنمية، فساد يستنزف اليوم مقدرات الغد ويفتعل عوائق أمام المستثمرين ويخفض القدرة التنافسية ويضعف مؤشرات التنافسية التي باتت اليوم من مقومات بث روح جديدة في اقتصاديات الدول للتكيف مع حركة التحولات الاقتصادية الجارية على مستوى العالم. لكل تلك الاعتبارات علينا أن ننظر بترحاب إلى أي جهد يبذل على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي يثبت إمكانية محاربة الفساد، ونرى أنه يتوجب أن نتعامل مع مسألة الالتزامات المترتبة على المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد بالقدر اللازم من الجدية والحرص الكافي بما يقتضيه ذلك من آليات وإجراءات وقرارات لإشادة بناء متماسك في وجه الفساد الذي قال عنه عاهل البلاد حفظه الله بأنه أسوأ شيء في المجتمع، وللإحاطة فإن الاتفاقية تفرض علينا من جملة ما تفرضه إصدار تشريعات تتصل بقواعد سلوك الموظفين العموميين، وتعارض المصالح، والإفصاح عن موجودات كبار المسؤولين (قانون الذمة المالية)، وحق الوصول إلى المعلومات وسيادة القانون، ومشاركة المجتمع في الحرب على الفساد، والحوكمة في القطاع الخاص، والانتخابات البرلمانية النزيهة وإنشاء هيئة مستقلة للرقابة الإدارية، وإنشاء هيئة وطنية أو أكثر لمكافحة الفساد، وفي شأن هذه الهيئة تحديداً فإننا نشاطر جمعية الشفافية وغيرها من الجهات التي أبدت دهشة واستغراب لما نسب إلى وزير العدل حينما استبعد مسبقاً وبشكل قاطع تشكيل هذه الهيئة حتى لو صادقت غرفتي البرلمان والملك على الاتفاقية الأممية، فذلك موقف أو رأي أقل ما يمكن أن يقال فيه بأنه مثير للانتباه ويثير الالتباس حول ما اذا كنا جادين حقاً في المضي قدماً على طريق محاربة الفساد أم سنظل في مكاننا نراوح. أمنيتنا تبقى أن نكون جادين… بل وفي منتهى الجدية، فمحاربة الفساد لا يتحقق بالكلام والمراوحة في المكان..!!
صحيفة الايام
5 يونيو 2009